رئيس التحرير
عصام كامل

لماذا نجحت زيارة السيسي إلى البيت الأبيض؟


يمكن طرح السؤال السابق على نحو عكسي تمامًا، كأن تسأل: هل نجحت في الأساس هذه الزيارة؟ ويمكن طرح السؤال على نحو ثالث كأن تقول: ما المعايير التي تنطبق على الزيارة فتجعلها ناجحة؟ وماذا كان ينقصها لتكون فاشلة؟ وهل النجاح للزيارة ذاتها أم للظرف التاريخي الذي فرض ضرورات الاتفاق بين الجانبين المصري والأمريكي، بين الجنرال والمقاول؟!


وهكذا يمكن للكاتب المتنطع والإعلامي المتسكع، والمذيع الفظيع، أن يمضي في طرح أسئلة مطاطية، تثير الريبة أكثر مما تستهدف الحصول على إجابات، سنمضي رأسًا إلى نقطة القلب في الزيارة، وهي الحميمية العالية التي التقى بها الرجلان، أشبه بلقاء عاطفى لصديقين تفرقا منذ سبتمبر الماضي، ثم تلاقيا وقد صار أحدهما أقوى شخص في العالم! وسنمضي رأسًا أيضًا لنقرر أن الزيارة نجحت، وتنطبق عليها مواصفات النجاح لعدة أسباب، مع استبعاد الموسيقى التصويرية للهتيفة والسذج في الإعلام المصرى من محترفي تقديم النصح والإرشاد ومواعيد تعاطي الدواء لضمان الشفاء في علاقات مصر بأمريكا:

- أول الأسباب جدية التحضير للملفات كافة، عملية تضمنت حصر أوجه الاتفاق ومناطق الاختلاف واقتراح الحلول لاحتواء جسر الخلافات، فضلا عن تعزيز نقاط التلاقي والتعاون.

- ثاني الأسباب أن الولايات المتحدة أدركت أن حليفًا مخلصًا لمدة أربعين عامًا، لا يجوز التفريط فيه برعونة من أوباما، يكررها ترامب، ومن ثم فإن الحوار الاستراتيجي بدأ على الفور بموافقة الرئيسين، كما أن الشراكة العسكرية بين المؤسستين العسكريتين في البلدين كانت موضع حماية من جانبيهما رغم إدارة أوباما، فالجيش المصري رفيق سلاح للجيش الأمريكي في حرب تحرير العراق.

- ثالث الأسباب أن مصر اقتنصت من التاريخ أغلى الفرص السانحة لتقدم إلى الولايات المتحدة دعمها الكامل في الحرب على الإرهاب، وهذا ما تحتاجه أمريكا بقدر ما تحتاج مصر إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية من واشنطن.

- السبب الرابع في نجاح الزيارة أن عملية إعادة بناء الاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن أن تتم بمعزل عن الدولة التي أفلتت بجبروت شعبها وجيشها وشرطتها وأجهزتها العميقة من براثن الربيع العبرى، والاستقرار يعني انعدام الهجرة غير الشرعية إلى شواطئ أوروبا والولايات المتحدة، وما تحتمله من وجود عناصر إرهابية كصف ثان وثالث وربما رابع !

- خامس أسباب نجاح زيارة الرئيس السيسي هو الشعب المصرى الذي أكد للعالم وقوفه مساندًا لخطة الإصلاح الاقتصادي، واحتماله وصبره على مكاره الإصلاح، فشيء كهذا كان رسالة بأن الرئيس السيسي يتمتع بثقة الناس في الدواء المر الذي يسقيه للشعب بغية علاجه من إدمان الدعم والتراخي وتأجيل التقدم والتنمية.

يمكن أيضًا طرح سؤال جديد على النحو التالي: حسنًا أنت تقول هي ناجحة.. حدد إذن فيم نجحت ؟
- أول نجاح أن الإدارة الأمريكية اعترفت بأن ثورة الثلاثين من يونيو كانت عملا رائعًا بقيادة الرئيس السيسي، واعتراف وإعجاب واشنطن بتحرك الجيش المصري تلبية لنداء شعبه هو رسالة لكل التوابع في العالم ومنها تركيا وقطر وبريطانيا بأن تمارس فضيلة ابتلاع الألسنة وأن تنكتم !

- النجاح الثاني الأكبر مترتب على النجاح الأول، إذ ستدخل مصر منطقة استقرار راسخة بعد مطبات وفراغات ومقالب وأعاصير وتقلبات استمرت ست سنوات.

-النجاح الثالث إعلان الرئيس ترامب أن التعاون العسكري والاستخباراتي والتكنولوجي بين البلدين سيبلغ مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين القاهرة وواشنطن.

- النجاح الرابع مرتبط بالجانب الاقتصادي والمساعدات، والحق أن الغموض يغلف هذه الناحية من الزيارة، في ضوء أن ترامب نفسه قلص بند المساعدات الخارجية بنسبة ٣٠%، ونسب أخرى متفاوتة ليوفر ٥٠ مليار دولار إضافية على ميزانية الجيش الأمريكي لتحديثه وجعله الأقوى والأحدث في العالم، أقصى ما أمكن التعرف عليه في هذه الناحية هو الكلام عن مزيد من الاستثمارات الأمريكية في مصر على غرار ما فعلت أمريكا مع كوريا الجنوبية.

بالمناسبة فإن للولايات المتحدة ٢٣ مليار دولار استثمارات مباشرة وغير مباشرة في مصر، تلك هي العناوين والمضامين في خطوطها العريضة، يبقى التنفيذ الأخير يعنى الخوض في الحوض وفي التفاصيل، حيث يقبع الشيطان تحت كل زر من أزرار التنفيذ!

أقصد أن ترامب متقلب، لكن مصر ثابتة ومن المؤكد أنها درست شخصيته، وتحسبت بالبدائل، سنقف على الناصية ونرصد اتجاهات الريح ما بين مصر وأمريكا ترامب.

الضرورة والظرف الاستثنائي في أمريكا ذاتها، كانا إلى جانب مصر في إنجاز النجاح النظرى للزيارة، ويتبقى أن تقف مصر ذاتها إلى جانب مصر، بمرونة وحيوية وسرعة استجابة للمتغيرات، لكي تتحول الوعود إلى ثمار وأموال تنعش البيت المصرى وثلاجاته الخاوية! لقد نجحت الزيارة لكنه نجاح منقوص يكتمل بالعمل الدءوب على إتمامه من كل الجوانب.
الجريدة الرسمية