قمة البحر الميت وتجسيد أزمة النظام العربي
جاءت القمة العربية الأخيرة التي استضافتها المملكة الأردنية في البحر الميت ضعيفة في نتائجها، بشكل لا يتماشي مطلقا مع حجم التحديات التي تواجه الأمة العربية في اللحظة الراهنة، وتكاد تعصف بشعوبها وبمؤسساتها وتضعها في مهب الرياح العاتية التي لا ترحم.
فمن الإرهاب الذي يتمدد شرقا وغربا ويستغل الفراغ الذي خلفه إسقاط بعض النظم الحاكمة في اليمن وليبيا، أو فقدان تلك الأنظمة للسيطرة على مناطق شاسعة من بلدانها كما هو الحال في سوريا والعراق، إلى الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية الذي يتوسع في بناء المستوطنات ويصادر مزيد من الأراضي، ويسارع الخطى في تهويد القدس وطمس هويتها، وما بين الإرهاب والاحتلال تبرز المشكلات الاقتصادية التي دفعت بعض الدول إلى اتخاذ إجراءات مالية صعبة، خلفت مشكلات اجتماعية طاحنة، وزادت من أعداد المعرضين لخطر الفقر والبطالة وعدم القدرة على مواجهة متطلبات الحياة.
كل هذه القضايا الملحة لم يكن لها صدى ملموس في نتائج القمة العربية الأخيرة، ولم تحظ سوى بعبارات إنشائية فارغة المضمون لا تغنى ولا تسمن من جوع، ولا تدفع خطرا ولا تنقذ أمة.
لقد كانت الشعوب العربية تتطلع إلى قمة البحر الميت وإلى زعمائهم المجتمعين هناك، في أن يكون هناك تحرك إيجابي ملموس ينقذ الأوطان من حالة الفشل الذي تتردى فيه منذ سنوات طويلة، ولكن للأسف نتائج القمة لم تلب آمال وطموحات الشعوب المتعطشة للخلاص مما هي فيه، ولم ينتج عنها قرارات يمكنها أن تغير في معطيات الأمر الواقع.
إن القمة الأخيرة كشفت عن حجم الخلافات بين الدول العربية، فيما يتعلق بموقف كل منها من القضايا المحورية والجوهرية، خاصة الأزمات في سوريا وليبيا واليمن، كما كشفت عن أن الدول العربية ما زالت تعول على أطراف خارجية وقوى دولية في حسم الصراعات المشتعلة في المنطقة، كما أن القمة كشفت عن أن الدول العربية غير مستعدة للدخول في منظومة اقتصادية عربية موحدة، يمكنها أن تضع حلولا للأزمات الاقتصاية المتفاقمة، خاصة بعد انخفاض أسعار البترول وتضاعف فاتورة الإنفاق العسكري.
كما أن القمة كشفت عن أن بعض دول المنطقة ما زالت مصممة على إقامة علاقات وتقديم دعم لتنظيمات إرهابية مسئولة بشكل مباشر عن حالة التفتت والتردي التي تعيشها بعض الدول العربية، في حين أن النظام العربي فشل تماما في وقف هذه الدول عند حدها، وإجبارها على وقف دعمها للجماعات الإرهابية وتوفير منصات إعلامية وغطاء سياسيا وتمويلا سخيا لها.
ولم يعد خافيا على أحد أن الجامعة العربية ذاتها تواجه تحديات تمويلية، وهي التحديات الناتجة عن عدم التزام بعض الدول بدفع حصتها المقررة في موازنة الجامعة السنوية، وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلى مزيد من الإضعاف للنظام العربي لو لم يتم تداركه، وسيقلل من دور الجامعة كطرف فاعل وصاحب مصلحة أصيلة في الصراعات الإقليمية التي تدور رحاها في قلب المنطقة.
لقد كانت هناك آمال عريضة منذ سنوات قليلة في تأسيس نظام جديد للأمن والسلم العربي، من خلال إنشاء قوة عربية موحدة قادرة على الردع والتدخل، إلا أن هذا المشروع الطموح قد توقف دون أن تقدم الجامعة العربية تبريرا لذلك، كما أن منظومة حماية حقوق الإنسان العربية لم يطرأ عليها تطوير ملموس كما هو الحال في أطر إقليمية أخرى كالإطار الأفريقي أو الإطار الأوروبي، فضلا عن أن آليات التكامل الاقتصادي العربية شبه معطلة بصورة لا تتوافق مطلقا مع ما بين دول المنطقة من روابط ثقافية واجتماعية ولغوية وجغرافية، وباختصار شديد فإن ضعف نتائج القمة العربية جسدت بوضوح "الأزمة" التي يعيشها النظام العربي من المحيط إلى الخليج.