رئيس التحرير
عصام كامل

هاتولنا قيادي يلملم شتات الحكومة


هل فقدت الحكومة الإحساس بالشعب، وهل إلى هذه الدرجة لم يعد لدينا مسئول يهتم بالمواطن وأبسط حقوقه في إيجاد قوت يومه؟ ألم يعد لدينا من يعمل بضمير ويحاسب المقصر، حتى يلتقط الشعب المطحون بعضًا من أنفاسه، التي يخشى أن تحاسبه عليها الحكومة الحالية، وسط سعيها المحموم لخفض التضخم وزيادة دخل الدولة من جيوب الفقراء، وعدم قدرتها على الاقتراب من الأغنياء! أين الوزراء ورئيس الحكومة والبرلمان والأجهزة مجتمعة من معاناة وظلم الشعب وعدم قدرته على العيش؟!


تساؤلات دارت في ذهني عندما شاهدت فيديو مؤلمًا لمصرية بسيطة تبكي قهرًا حين سئلت عن رأيها في ارتفاع أسعار الأسماك فقالت وسط دموعها: "مش بناكله، أجيبه منين هو واللحمة والفراخ وأنا معاشي 400 جنيه، مش لاقيين ناكل ولا عارفين نعيش، حسوا بينا شوية الناس غلابة، حرام".. هذه الكلمات لا يتحملها قلب ما زال ينبض ببعض الإنسانية والرحمة، فهل خلت نفوس المسئولين من الإنسانية والرحمة وأصبح كل همهم السلطة ومميزاتها وبريقها؟!

وسط أزمة الأسماك الطاحنة في البلد، يصرح رئيس الحكومة شريف إسماعيل بأن "المؤشرات الاقتصادية إيجابية للغاية".. يتبعه تصريح محافظ البنك المركزي طارق عامر بأن "الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية بلغ 28.5 مليار دولار مسجلا أعلى مستوى منذ مارس 2011"!! وتجاهل الثنائي أن خططهما الفاشلة وسياستيهما غير المدروسة للإصلاح المزعوم سبب البلاء الذي حل بمصر، ويكاد يقضي على الشعب جوعًا ومرضًا وقهرًا وإهمالا وتقصيرًا!!

تملك مصر يا سادة مسطحات مائية غير موجودة في عشرات البلدان الأخرى، فقد أنعم الله علينا بنهر وبحرين، إلى جانب البحيرات والقناة، من هنا كان السواد الأعظم من الشعب يلجأ إلى الأسماك هربًا من "نار أسعار" اللحوم والدواجن، لكن يبدو أن حكومة شريف إسماعيل أبت ألا تترك للشعب شيئًا يأكله!! وإلا كيف نفسر الارتفاع الجنوني في أسعار الأسماك حتى أنه تضامن في حملة مقاطعة الأسماك بعد مقاطعة اللحوم والدواجن والبيض، فماذا تبقى له يتغذى عليه، خصوصًا في ظل ارتفاع يومي لأسعار الخضراوات والفواكه وكل ما يخطر على البال في البلد، وسط انعدام تام للرقابة الحكومية، وترك الأسواق للتجار يتلاعبون بها وبالشعب كيفما أرادوا؟!

انتشار حملة المقاطعة وتوقف بيع الأسماك في المحال، اضطر الكثير من الباعة إلى الإغلاق والعودة إلى منازلهم متهمين تجار الجملة بالجشع نتيجة غياب الرقابة الحكومية وعدم وجود قانون رادع للمتلاعبين بالأسعار!!

أما نقيب الصيادين أحمد عبده نصار فتوقع أن يرتفع سعر السمك البلطي إلى 100 جنيه خلال الأسابيع المقبلة.. ولخص أسباب الأزمة في أن "وزارة الري ليس لديها سيطرة على نهر النيل وهذه كارثة كبرى، وأن شركات استيراد الأسماك المجمدة وراء أزمة ارتفاع أسعار الأسماك، كما لا توجد سياسة تحكم عمل الثروة السمكية في مصر، وأن رئيس الهيئة لا يستطيع اتخاذ قرار خاص بها؛ لأن أمرها موزع بين وزارات مختلفة"!! ثم اتهم نقيب الصيادين مصلحة التفتيش البحري بأنها تعمل على تدمير الثروة السمكية بإصدارها "ترخيصًا لمراكب الصيد بالعمل في نطاق ثلاثة أميال بجوار الشاطئ".

أزمة الأسماك وارتفاع أسعارها الجنوني، جعل "الميديا" ساحة للمحللين، لكن كان هناك شبه إجماع على أن أسبابها "تصدير الأسماك بلا ضوابط ودون مراعاة احتياجات السوق المصرية، فضلا عن جشع التجار المتحكمين في السوق وبعضهم يحظون بحماية المسئولين"!! 

ولا ننسى أن تعويم الجنيه دون دراسة لتداعياته وارتفاع سعر الدولار أدى "لزيادة سعر الأعلاف التي يتغذى عليها بشكل كلي سمك المزارع، خصوصًا أن مصر تعتمد على إنتاج المزارع بنسبة 75%، بعكس سمك البحار الذي يمثل 25% فقط من الاستهلاك المصري"، وزاد من أزمة الأسماك "توقف مراكب الصيد التي كانت تعمل في مياه الدول الأخرى، مع زيادة تلوث مياه البحرين الأحمر والمتوسط نتيجة انعدام الرقابة، ما أثر فى ناتج الصيد من الإنتاج المحلي".

ونخلص إلى أن المشكلة كالمعتاد حكومية نتيجة سوء الإدارة وعدم وجود "قيادي" يجمع "شتات" الوزراء و"يلملم" الجهود المتفرقة إن كان هناك جهد من الأساس.. وعلى القيادي في الحكومة تقليل الاعتماد على الاستزراع السمكي في ظل أسعار الأعلاف الباهظة والاهتمام بالشواطئ والثروة البحرية الطبيعية، ثم تطهير البحيرات من الحشائش ومنع الصيد الجائر لأمهات الأسماك والزريعة، وضبط الأسواق بتشديد الرقابة والنظر بعين الاعتبار لحال معيشي متردٍ آل إليه الشعب.
الجريدة الرسمية