نص كلمة السيسي مع قيادات غرفة التجارة الأمريكية في واشنطن
التقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، مسئولي كبرى الشركات الأمريكية وقيادات غرفة التجارة الأمريكية بحضور ممثلي قطاع الأعمال، كما ألقى الرئيس السيسي كلمة نصها:
السيدات والسادة..
توم دونهيو، الرئيس والمدير التنفيذي لغرفة التجارة الأمريكية..
أود في البداية أن أعرب عن سعادتي بوجودي اليوم في غرفة التجارة الأمريكية، أحد مراكز مجتمع الأعمال الأمريكي، والشريك المهم لمصر في العمل الاقتصادي بكل جوانبه على مدى سنوات طويلة.. وأتوجه بالشكر إلى جميع مسئولي الغرفة، وعلى رأسهم توم دونهيو الرئيس والمدير التنفيذي، على حفاوة الاستقبال والتعاون البناء القائم بيننا.
كما أود أن أعبر عن سعادتي بالالتقاء مع هذه المجموعة المتميزة من ممثلي مجتمع الأعمال الأمريكي المهتمين بالعمل مع مصر، وحرصي على الالتقاء معكم في زياراتي للولايات المتحدة سواء في نيويورك أو واشنطن، وذلك من منطلق رغبتي في التواصل المباشر معكم، إيمانًا بأهمية دور القطاع الخاص بشكل عام، ودور غرفة التجارة الأمريكية بشكل خاص، في دعم التعاون الاقتصادي بين مصر والولايات المتحدة.
وأشير في هذا الصدد إلى أن العلاقات الاستراتيجية التي تربط مصر والولايات المتحدة، منذ ما يقارب أربعة عقود، كانت جوهر محادثاتي اليوم مع الرئيس "دونالد ترامب" في البيت الأبيض.. وقد لمست خلال تلك المحادثات تلاقي وجهات نظرنا حول ضرورة تعزيز التعاون بين البلدين على كل المستويات، والعمل معًا لمواجهة التحديات المشتركة التي تواجهنا.. لقد كان التعاون المصري الأمريكي دومًا إحدى ركائز الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، واليوم، تحتاج منطقتنا إلى المزيد من هذا التعاون لتحقيق أهدافنا المشتركة.
وفرضت التغيرات السياسية التي شهدتها مصر على مدى السنوات الست الماضية أعباءً كبيرة على الاقتصاد المصري؛ لذا أوليت دومًا أهمية قصوى لاستعادة الاستقرار السياسي والأمني وإصلاح الاختلالات الاقتصادية، وكما تعلمون جميعًا، استكملت مصر كل استحقاقاتها الديمقراطية، واستعاد الشارع المصري الاستقرار والأمن، وننفذ خلال الفترة الحالية برنامجًا جادًا للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، فضلًا عن اتخاذ خطوات ملموسة لتوفير مناخ جاذب للاستثمار، الأمر الذي حفز القطاع الخاص خلال الفترة الأخيرة على توجيه استثماراته إلى مصر بشكل متزايد.
وانطلاقًا من إدراكنا حجم التحديات الاقتصادية، فإن برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل الذي تتبناه مصر يرتكز على أربعة محاور؛ المحور الأول محور السياسات المالية العامة، ويهدف إلى خفض الدين العام وعجز الموازنة؛ والمحور الثاني محور السياسات النقدية، ويهدف إلى رفع كفاءة أداء سوق النقد الأجنبي، وتطبيق نظام مرن لسعر الصرف بهدف زيادة التنافسية وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر، فضلًا عن خفض معدلات التضخم؛ والمحور الثالث محور سياسات الحماية الاجتماعية، ويهدف إلى رفع كفاءة منظومة الدعم وشبكات وبرامج الحماية الاجتماعية وتمكين الأسرة؛ والمحور الرابع محور الإصلاحات الهيكلية، يهدف إلى تحفيز الاستثمار وتوفير مناخ داعم وجاذب له، وذلك إلى جانب تعزيز المساءلة ومحاربة الفساد.
وتنفيذًا لهذا البرنامج، اتخذنا عددًا من قرارات الإصلاح الاقتصادي غير المسبوقة، وحرر البنك المركزي المصري في نوفمبر 2016 سعر صرف الجنيه، في خطوة ساعدت على توفير احتياجات الشركات العاملة في مصر من النقد الأجنبي، وزيادة احتياطي النقد الأجنبي، وتحسين تصنيف مصر الائتماني وتزامن معه رفع الحكومة الجزئي لدعم المحروقات، بهدف ترشيد منظومة الدعم بكل أشكاله، والتي كانت تُثقل كاهل الموازنة العامة للدولة دون أن تصل إلى مستحقيها، كما تم أيضًا تنفيذ حزمة من إجراءات الإصلاح الضريبي بهدف وضع سياسات ضريبية مستقرة وشفافة، تضمنت إصدار عدد من التشريعات، أهمها قانون الضريبة على القيمة المضافة.
إن مصر تولي أهمية كبرى لتحفيز وتشجيع الاستثمار، وتتخذ الحكومة التدابير اللازمة لمعالجة العقبات التي تعوق عمل القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، وتضمن ذلك إنشاء المجلس الأعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية، والعمل على الانتهاء من إصدار قانون الاستثمار الجديد في القريب العاجل، وتطوير منظومة خدمات الاستثمار للتيسير على المستثمرين، كما تحرص الحكومة على تعديل قوانين المنافسة والاحتكار لتعزيز التنافسية، والعمل على تشجيع المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر.. ومن المتوقع أن يشهد عام 2017 عدة إصلاحات تشريعية من بينها إصدار قانون التأجير التمويلي، وتعديلات قانون سوق المال، وتعديلات قانون التأمين.
وأود تأكيد الأهمية الكبيرة التي توليها الحكومة لمساهمة القطاع الخاص في عملية التنمية من خلال المشاركة في تنفيذ المشروعات القومية الكبرى، وعلى رأسها مشروع التنمية بمنطقة قناة السويس، الذي يهدف إلى تعظيم الاستفادة من الإمكانات الهائلة لتلك المنطقة الواعدة باعتبارها معبرًا بين الشرق والغرب، وذلك من خلال جعلها مركزًا عالميًا للملاحة والخدمات اللوجستية والصناعة، فضلًا عن مشروع استصلاح المليون ونصف المليون فدان الذي يستهدف زيادة نسبة الأراضي الزراعية بنحو 20%، بالإضافة إلى إنشاء عدد من المدن الجديدة، من بينها العاصمة الإدارية الجديدة، وذلك سعيًا لزيادة المساحة العمرانية بنحو 5% بحلول عام 2030.
وتبذل الحكومة أيضًا جهودًا كبيرة لتطوير ورفع كفاءة شبكة الطرق القومية، بالإضافة إلى تنويع مصادر توليد الطاقة لتشمل التوسع في الطاقة المتجددة، إلى جانب إنشاء محطات جديدة للطاقة التقليدية، بالإضافة إلى المشروعات التنموية الأخرى بعيدة المدى مثل مشروع «المثلث الذهبي» الذي يهدف إلى إنشاء مراكز للصناعات التعدينية ومناطق سياحية عالمية، وتوفير نحو نصف مليون فرصة عمل، بحيث يُصبح هذا المثلث منطقة عالمية جاذبة للاستثمارات، وذلك على مساحة تقرب من 9 آلاف كم2، كما تسعى مصر إلى تنمية اكتشافات الغاز العملاقة ومضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي تدريجيًا بحلول منتصف عام 2019.
وأود الإشارة إلى أن جميع تلك الجهود أسهمت في تقدم ترتيب مصر في تقرير "ممارسة أنشطة الأعمال 2017" الذي يصدره البنك الدولي بتسعة مراكز مقارنة بعام 2016، ما يرجع إلى التحسن في مجال تأسيس الشركات، بالإضافة إلى توفير الطاقة اللازمة للمشروعات، وحماية المستثمرين الأقلية في الشركات عبر زيادة دورهم وحقوقهم المتعلقة باتخاذ القرارات الجوهرية بالشركات.
أود في ختام كلمتي أن أُشير إلى إدراكنا الكامل أن ما تم بذله حتى الآن من جهود كبيرة ليست إلا خطوات في مسيرة شاقة وطويلة، وأننا ملتزمون باستكمال جهودنا لتحقيق الإصلاح الاقتصادي الشامل، ووضع مصر في المكانة التي تليق بها على خريطة الاقتصاد والتجارة العالمية مهما بلغت هذه الإجراءات من صعوبة، ولا يفوتني هنا الإشادة بما تحلى به الشعب المصري من وعي ومسئولية خلال الفترة الماضية، وتحمله تداعيات قرارات الإصلاح بشجاعة وصبر، رغم ما فرضته من أعباء إضافية على كاهله، وبرهن هذا الشعب العظيم على إدراكه العميق أهمية هذه الإجراءات لوضع مصر على الطريق الصحيح.
وإنني لعلى ثقة من أنكم في طليعة الداعمين لمسار الإصلاح الاقتصادي في مصر، وما تم إحرازه على مستوى العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بالنظر إلى ما تُمثله هذه العلاقات من مكون رئيسى للشراكة الاستراتيجية بين بلدينا، وأؤكد لكم أننا نسير على خطى ثابتة حتى نصل للأهداف التي نطمح إليها، ونحقق للمواطن المصري المستقبل الأفضل الذي يستحقه.