ارتفاع الأسعار.. والقضية الفلسطينية
منذ بداية الوعي والإدراك لدى وتمييز الأشياء وأنا أسمع وأشاهد الجميع يتحدث ويتمنى إيجاد حل القضية الفلسطينية، ومع مرور السنوات وعندما زاد الوعي والإدراك أكثر لم يتغير شيء في القضية التي تشغل بال العرب جميعًا، وعندما تقدم بي العمر وبلغت ٤٠ عامًا الْيَوْمَ بالتمام والكمال وأنا أسمع نفس الكلمات وربما من نفس الزعماء الذين كنت أستمع إليهم في الطفولة، إننا كعرب نعمل جاهدين لإيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وبقي الأمر مجرد كلام والسلام ومازال الحل عصيًا حتى الآن..
ويبدو أن هناك قضايا أخرى كثيرة عصية على الحل، من بينها مواجهة ارتفاع الأسعار، فالحكومة لا تتوقف صباحًا ومساء بتذكير المواطنين في جميع وسائل الإعلام أنها لم ولن تنسى مواجهة ارتفاع الأسعار، وأنها عقيدة راسخة لديها مهما تغيرت الحكومات وتبدلت الأماكن ورحل مسئولون وجاء آخرون، فالجهاد مستمر في إيجاد حل للقضية العادلة حتى لو وصل سعر كيلو الطماطم لعشرة جنيهات أو حتى عشرين وثلاثين وخمسين لا يهم، طالما القضية في القلب وهناك أجيال وأجيال من الوزراء يتعاقبون على حلها فلا داعي لقلق المواطن، فمواجهة ارتفاع الأسعار على جدول أعمال مجلس الوزراء كل أسبوع، أليس هذا دليلا على حسن نية الحكومة.
لا يوجد أحد في مصر بطولها وعرضها لا يشتكى من ارتفاع الأسعار سوى المهندس شريف إسماعيل، وأعضاء وزارته الذين يَرَوْن أن كل شيء تمام، وأن القضية الفلسطينية في طريقها إلى الحل.. عفوًا مواجهة ارتفاع الأسعار.. وأن مجلس الوزراء لن ينسى قضيته العادلة في تحجيم الأسعار والسيطرة عليها وأنه سيأتي الْيَوْمَ الذي يحتفل فيه المصريون جميعًا بالانتصار على الأسعار ليس مهمًا متى يكون هذا الْيَوْمَ المهم أنه قادم.
لا يمر يوم في مصر دون ارتفاع جديد في الأسعار في كل شيء، وكأن هذا البلد لا صاحب له يدافع عن مواطنيه، هم في مواجهة كل شيء وحدهم حتى فقد الناس الأمل فقرروا مواجهة ارتفاع الأسعار على طريقتهم فقاطعوا الأسماك، واللحوم، والدواجن، والخضراوات، والفواكه.. وكل يوم تظهر مبادرة لمقاطعة منتج معين لا يوجد ما يبرر ارتفاع سعره، ولكن كله يتم بالمزاج ولَم يعد يتبقى سوى الخبز لمقاطعته..
لو أن لدى هذه الحكومة قدرًا قليلًا من الإحساس لاختفت من الوجود، فالحكومة التي تفشل في تدبير كيلو طماطم لمواطنيها بسعر معقول لا تستحق أن تستمر يومًا واحدًا، فالمواطن لا يطلب الكافيار والجمبري بل يطلب أبسط ضروريات الحياة، لم نسمع من هذه الحكومة منذ تكليفها سوى الكلام والتصريحات والأمانى والمستقبل والخير الموجود في البحار والبحيرات والأنهار والجبال وتحت الأرض، ولكننا لم نر أي شيء يجبر خاطر المواطن البسيط أو يسر العين..
كل يوم أصعب من الْيَوْمَ السابق، والحكومة مصرة على موقفها وأننا نسير في الطريق الصحيح فالخير قادم لا محالة، وأن القضية عادلة، ربما يكون المهندس شريف إسماعيل مهذبًا ويتمتع بأخلاق الفرسان وأن العيبة لا تعرف له طريقًا، وأن مصر لم تولد أحدًا في أدبه، ولكننا لم نسمع في الشعوب الأخرى أن الأدب يعد من إنجازات الحكومات، وإطعام الشعوب، وأنه دليل على حسن الأداء..
للأسف أنصار الرجل لا يجدون له ميزة واحدة سوى أدبه وصمته المستمر، نحن نريد حكومة قوية يشعر بها الفقراء قبل الأغنياء حكومة مهمتها الحفاظ على المواطن وليس القضاء على المواطن.. فهل يتحقق هذا؟