رئيس التحرير
عصام كامل

قمة نقد الذات وقمة حق الحليف


قبيل أقل من 96 ساعة من قمة مصرية أمريكية تعقد في واشنطن، الإثنين القادم، تابع العالم العربي قمة القادة والزعماء العرب رقم 48 أمس في الأردن، ويمكن القول بارتياح إن توقيت انعقاد القمة العربية، قريبًا من توقيت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الولايات المتحدة، وتاليًا للقمة، له أكثر من دلالة، سواء للعرب أنفسهم، أو للإدارة الأمريكية، وقبل أن نتطرق إلى الدلالات والإشارات وكلها تصب في إعادة بناء القوة العربية وترميم وحدة القرار العربي، لا بد من الإشادة بقوة ومهارة التنظيم الأردني وحرفيته العالية في إدارة الجلسات، وفي مراحل الإعداد الناجح للقمة التي جمعت الأضداد حول مائدة المصير المشترك.


لقد بذل العاهل الأردني عبد الله بن الحسين جهدًا هائلًا في لم الشمل العربي، وفي العمق منه، جمع مصر والسعودية معًا، ولا يجوز تغافل الزيارات العديدة للعاهل البحريني حمد بن عيسى، ولا لأمير دولة الكويت الشيخ صباح الجابر الأحمد ولا القادة الطيبين في الإمارات، على رأسهم الشيخ محمد بن زايد، لتصفية الأجواء المعكرة بين الشقيقتين الكبيرتين، جناحي أمة العرب.

وصحيح أن بيانات القمة تشبه كثيرًا بيانات كل القمم السابقة، لكن لا بد أن نلاحظ أن الدموع كانت تذرف حصرًا على القضية والمأساة الفلسطينية، طوال العقود الماضية، وهى الآن تذرف على المأساة السورية والكارثة الليبية، والأبرياء في العراق وفي اليمن، وبقية العالم العربي مهددًا بالخراب، وهو ما وصفه أفضل توصيف أمير دولة الكويت صباح الجابر بأن أوهام الربيع العربي قضت على التنمية والأمن والاستقرار في دول عربية كثيرة.

ومن المؤكد أن الغرب كان يتابع هذه القمة على وجه أخص، لأنها قمة نقد الذات وتحديد العدو، ومن الملاحظ أن العدو التقليدي وهو إسرائيل لم يكن حاضرًا، بقدر حضور الضحية له، وهو محمود عباس، أي القضية الفلسطينية، فالكل كان يتحسس ديناميت طهران تحت المقاعد وفي العباءات!

أما عن الدلالات فيمكن إيجازها فيما يلي:
١-أن الخطاب السياسي سواء التشخيصي للمشكلات أو التعبوي لمواجهة المشكلات كان موجهًا لاثنين أحدهما طهران بالتأكيد والثاني لفاعل عربي لم يحدد اسمه، وإن لفت العقول إليه ما ذكره الرئيس السيسي بقوله:

"إنه لمن دواعي الأسف أن نرى بعض القوى تستغل الظروف غير المسبوقة التي تمر بها منطقتنا، لتعزيز نفوذها وبسط سيطرتها، فقامت تحت مسميات وتبريرات مختلفة، بالتدخل في شئون الدول العربية، سواء من خلال التدخلات السياسية، أو العسكرية والأمنية، لا يعنيها في سبيل تحقيق ذلك أن تتفكك مؤسسات هذه الدول، أو أن تتهدد وحدة أراضيها وسلامة شعوبها".. وتبسم له الملك سلمان، وكان المقصود قطر!

٢- غاب الهجوم عن إسرائيل بشكل ملحوظ، وذكر الملك سلمان بأنه لا يجوز أن تشغلنا همومنا عن القضية المركزية وهى فلسطين، ولعل ذلك كان تدبيرًا مقصودًا، خاصة أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس سوف يلبي دعوة ترامب ويلتقيه في البيت الأبيض بعد أيام من زيارة الرئيس السيسي، التي ستستمر خمسة أيام، ويعرف العرب وأبو مازن أن التذكير بالقضية الفلسطينية الآن، خير من التنديد بسارق الأرض الفلسطينية الذي يتمتع بالحماية الأمريكية بل بإعجاب خاص من ترامب!

الحكمة والعقل وحسن الإدارة إذن كانوا وراء اعتدال لغة الخطاب السياسي في القمة فيما يخص هذه النقطة، حتى لا تحترق قوارب عباس في مياه الأطلنطي قبل بلوغ الشاطئ الشرقي، حيث واشنطن!

٣- يذهب الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى لقاء الرئيس ترامب مسنودًا باتفاق عربي، أشبه بالتكليف، تمهيدًا لزيارة أبو مازن، ودفاعًا عن القصايا العربية في سوريا وليبيا والعراق واليمن، وتصوروا لو أن السعودية غاب مليكها ومصر غاب رئيسها، ثم زار الرئيس واشنطن، وتصارعت وسائل الإعلام ترش الملح على الجراح، فضلًا عن استفسارات وتدخلات، نحن في غنى عنها.

مؤدي القول إذن أن الرئيس السيسي ذاهب بإجماع عربي، وليس في ضعف عربي، وما سوف يسمعه ترامب من مصر هو ما سيسمعه من محمود عباس، وسمعه من ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وقبلهما عاهل الأردن عبد الله الثاني.

٤- يحترم الأمريكيون القوة والأقوياء، وترامب بالذات رجل يؤمن بالقوة، مالًا وقرارًا وعزيمة، لأنه واجه وحدة غول الميديا الأمريكية والنخب السياسية العريقة والدولة العميقة في واشنطن، وحقق الفوز إلى المكتب البيضاوي، وهذا هو السر في إعجابه بالرئيس السيسي، الذي يراه أخذ زمام المبادرة وأنقذ وطنه وواجه الإرهاب وحيدًا ولا يزال، ولا شك أن الرئيس يلتقي بترامب وهو واثق أن شعبه وراءه، والعرب وراءه وتاريخ مصر في الحرب على الإرهاب بجدية وقوة أمامه، وكلها مؤهلات لأن تطلب القاهرة وبقوة حق الحليف والشريك في سداد جزء كبير من فاتورة الدم والأعباء.

نتوقع الكثير من هذه الزيارة التي يدخل فيها رئيس مصري إلى البيت الأبيض منذ سنوات طويلة، امتنع فيها مبارك عن زيارة واشنطن، كادوا له فيها حتى أطاحوه.
إن قمة العرب كانت حوارًا فيما بينهم، بينما قمة السيسي هى حوار العرب مع واشنطن، لعلها الصحوة الكبرى من زيف الغبار العربي!
الجريدة الرسمية