مجتمع من المسوخ!
آخر الجرائم في مجتمع صارت الجريمة البشعة بالنسبة له كرمشة العين، هى قيام أب بربط ابنه ذو الثلاثة أشهر في مروحة السقف، والمروحة عمَّالة تلف في عز البرد، لحد ما الطفل مات يا عيني، لقد أصبحنا مُجتمعًا من المسوخ، تعذيب أطفال بطريقة غير آدمية من جانب غرباء أو من جانب أهاليهم، وكمان تشغيل المروحة في عِز الشتا!
مجتمع تلاقي فيه واحد بيغتصب طفلة لابسة بامبرز، أي فجور هذا؟ يعترف المُجرم مؤكدًا أنه قلَّعها البامبرز، واكتفى باستعمال أيديه فقط، الله يلعنك، لو كان مريضًا نفسيًا، هو وصاحب الحالة الأولى، وأصحاب بقية الحالات، اللي بنشوف آثار تعذيب ذويهم وضحاياهم على حدٍ سواء على وجوههم وأجسامهم، فإحنا محتاجين توسيع في مستشفى الأمراض العقلية، مع ضم مدينة الإنتاج الإعلامي لها!
لو كان مُدعي النبوة والألوهية مجانين، طيب المستشفى بتعمل إيه، وساكتة على الناس دي إزاي، وكيف نترُك الإعلام يلغوص في كُل هذه البلاوي صورة وصوت وصريخ ونباح، ويزيد الطين بلَّة لحد ما العملية زاطت وبقت خَل؟!
أرجوك استنى عليا قبل أن تقول إننا لم نعُد مُجتمعًا من المسوخ، إنت عندك واحد بيطلع يسب في أم أي حد مش عاجبه على الهواء مُباشرةً، ومحدش بيعمل له حاجة، هل ده برضو مجنون واللا مُجرم؟ طيب ماذا عن المُذيعين الذين يستضيفونه على الهواء مُباشرةً، ويفتحوا له الأثير على البحري، علشان يشتم ويسب ويلعن في كُل المخاليق على الهواء؟ بينما المضيف يضحك ملء شدقيه ويسأله "هل من مزيد؟" لو كان مجنونًا فماذا عنهم؟ بالتأكيد كلهم معاتيه!
لو كان مُجرمًا فهم مجرمون أكثر منه، في كُل الأحوال إحنا في مجتمع رذيلة، مُجتمع من المسوخ، إلا مَن رحم ربي، فهل نستحق رحمة الله؟!
عندما انطلقت ثورة يناير صاحبها فجور أخلاقي بشع من النخبة الثورية، الإعلام فشل في السيطرة على سفالات الثوار، انطلقوا يسبوا ويلعنوا في كُل مَن يعارضهم، المُعارضة المقصودة لم تكُن ضد الثورة، ولكنها كانت كلمات بعضها عقلاني، يطلُب التريث وعدم الاندفاع في تدمير الوطن، وتحويل ثورته الشريفة إلى سكينة حامية على رقاب الشرفاء، كانت النتيجة أن طلع ميتين الشرفاء، وانقطعت ألسنتهم مع رقابهم، ولم يبق إلا المسوخ والأخلاق المنهارة التي نتباكى على أطلالها الآن، إن كان هُناك مَن يبكي ويندم ويعمل لها اعتبار أصلًا!
الإعلام شريك أساسي في هذه المهازل، بل أحد أهم صُناعها، الإعلام الذي فتح الباب على البحري للشتَّامين والسبابين بصفتهم أبطالًا أو أصحاب حقوق، محدش يقدر يقول لهم بِم، حتى واحدة منهم كانت بتسمي الشهيد شهيدًا، والبلطجى شهيدًا، والمجرم شهيدًا، وتيجي عند الضابط أو العسكري المسكين وتقول معرفش أصل الأعمال بالنيات، والحقيقة أنها هنا لا تختلف عن الراقصة (نيات أبو سنة) اللي كانت متعودة دايمًا، بصراحة جاتكم القرف!
إعلاميون لم يعُد لهم شغل إلا استضافة مُدعي الألوهية، أو عرض الجثث المقطعة، هات يا ابني الكادر على شوية اللحمة المتقطعين هناك دول، استنى أما أمسح أيديا في الدَم علشان تبان وأنا ماسك المايك، جريمة قد تكون بشعة، لكنها استثنائية، تتسابق الكاميرات لتغطيتها، انفراد: نزور بيت القتيل اللي اتقطَّع مليون حتة.. سبق صحفي: لقاء مع بنت خالة عم المُتهم باغتصاب جاموسة جاره، كيف اغتصبها، ولماذا أغواها، هل كان بينهما علاقة قديمة، أم أن الأمر من قبيل المُصادفة؟ ويتدخل أهل الشرع إياهم، العجل الوليد يُنسَب للمُغتصِب، واللا للزريبة؟!
كُل هذا يحوِّل كُل الجرائم البشعة والنادرة، واللي بتحصل في لحظة ظهور شيطاني استثنائي، يحوِّله إلى قواعد وجرائم عامة ومُعتادة لا استثنائية، أرجوك قُل لي كام طفل اتعذِّب مؤخرًا، كام اتحرقوا، كام اتقطعت أوصالهم؟ كام عضو تم بتره من أطفال وكبار على حدٍ سواء؟ شوفت الحادثة بتاعة الست اللي انتقمت من جوزها بقطع أجزاء من جسده بسنانها؟ إية بلاوي هذه؟ إنها بلاوي مُجتمع المسوخ الذي نعيش فيه مُنذ شهدنا انفتاحًا إعلاميًا ومعلوماتيًا لم نكُن قده، كُنا كالمُختنق في حُجرة زحمة خنقة، وفجأة اتفتح الشباك على البحري، فبدل ما نشم الهوا النضيف ونخلص، جالنا التهاب رئوي.. أقول لَك حاجة؟ الجاي أنيَل، والأيام بيننا.. بعد إذنكم أنا مش عاجبني اللي بيحصل، علشان كدة هروح أشرب من الخرارة!