3 مشاهد كارثية
شهد الأسبوع المنقضي عدة مشاهد مأساوية، مؤلمة.. تشي بتغير كيمياء المصريين، وتدهور القيم الأخلاقية، واختفاء مفهوم "أخلاق القرية" الذي طالما تشدقنا به، وتدثرنا به إزاء اتهامات الهمجية، والبلطجة، التي قذفنا بها أشقاءنا الألداء.
نكتفي بالتعليق على ثلاثة من تلك المشاهد.. أولها؛ واقعة "طفلة البامبرز"، والتفاصيل معروفة، وليس ثمة داعِِ للخوض فيه مجددًا، فعلينا ألا نقلد مسالك معظم برامج التوك شوك، التي صارت متابعة تلك المأساة فاصلًا يوميًا معتادًا بها لمجرد الإثارة فحسب.
المأساة لها أسباب عدة، أولها الجهل، وانشغال الآباء عن متابعة الأبناء.. ولا أعني هنا أم الطفلة، بل أم المتهم، وأبوه اللذين لم يلاحظوا أي سلوك غير سوي على ابنهم، طوال سني عمره، منشغلين عنه بالحفر في الصخر، لتوفير لقمة العيش، كغيرهم من ملايين المصريين.. وعندما تورط في جريمة قتل، إذا بأبيه يجعل من تخفيف الحكم على ابنه هدفه الأول والأوحد، ويبذل في سبيل ذلك الكثير من المال، وبالفعل ينجح في خفض العقوبة من 12 إلى 8 سنوات.
لم يفكر لماذا يفعل ذلك، بل سار كالأعمى خلف غريزة الأبوة.. ولم يتعلم المجرم شيئًا في السجن الذي تدعي الداخلية أنه "تأديب وتهذيب وإصلاح"، بل على ما يبدو أنه تعرض لتشويه أخلاقي ونفسي بشع.. وخرج، وبديهي أنه لم يتعلم شيئًا بعد الخروج، حتى إنه لم يلتحق بأي عمل.. وفعل فعلته التي فعل!
هو متهم واحد، لكن وراءه عشرات المذنبين!
ومن أخطر المشاهد، حوادث الاشتباه في التسمم من تناول الوجبة المدرسية.. تلك الحوادث التي اتسع نطاقها ليشمل العديد من المحافظات والمناطق في ريف مصر، وأقاليمها.. حوادث ذات دلالة كاشفة عن حجم الفساد الذي صرنا نتجرع مرارته، برغم أن الجميع مشاركون فيه.
لو جزمنا أن الحوادث ورائها فساد، لكان المتهمون هم رؤساء الشركات الموردة، ومن خلفهم الجميع.. بلا استثناء.. كلنا التزمنا الصمت طويلًا على فساد الأغذية، وتذرعنا بحجج واهية، من قبيل "معدة المصريين تهضم الزلط".. فصرنا نحن نهبًا للفساد، والأمراض، واكتظت المستشفيات بروادها من المصابين بمختلف تشكيلات الأمراض، والفيروسات، والميكروبات.. وتذيلنا قائمة الدول في مقاييس الصحة، والسلامة الجسدية والنفسية، والاجتماعية.
حوادث التسمم الغذائي معناها أننا نسعى، بمنتهى الجدية، لإنتاج أجيال غير صالحة للعمل، والعلم، والتفوق، والأخذ بأسباب التنمية والنهضة.. وإذا مرت الأمور، كما هى العادة، مرور الكرام، بدون اتخاذ إجراءات حاسمة، تعيد الأوضاع إلى نصابها، فقل على شبابنا السلام.
ثالث الوقائع التي استوقفتني، هو مشهد سقوط بطل مصر وأفريقيا، وأحد أبطال العالم في سباقات الدراجات، الشاب إسلام ناصر، رحمه الله، قبيل خطوات من إنهاء البطولة الأفريقية بجنوب أفريقيا.. الشاب البطل اكتشف الأطباء في سويسرا إصابته بجلطة في شرايين القلب التاجية، وحذروا من احتمالات عودتها في أية لحظة، ونصحوا بضرورة توقفه عن المشاركة في المسابقات، والاكتفاء بالعمل كمدرب أو معلق أو إداري... من المهام التي لا تتطلب بذل مجهود شاق، وعلى جهازه الدوري الوفاء بمتطلباته..
إلا أن جهابذة الطب في مصر، وعلى رأسهم، للأسف الشديد، أستاذ ذائع الصيت، اتهموا أطباء سويسرا بالجهل، وتمسكوا بسلامة البطل، ونصحوه بأن يضرب بتقارير "الأجانب" عرض الحائط.. إنني أتهمهم بالقتل الخطأ، وأتمنى أن يقوم أحد المحامين برفع دعوى لإثبات الخطأ المروع على أطباء مصر.. خطأ راح ضحيته شاب نابه، متفوق رياضيًا.. قتلوه، قاتلهم الله.