رئيس التحرير
عصام كامل

«أبو الغيط» يصدم الحضور في «قمة الأردن».. أمين الجامعة العربية: طيور جارحة تنهش في الأمة.. مساعٍ لترتيب المنطقة دون موافقتنا.. الملفات الأهم ليست في حوزتنا.. والأزمة شديدة ولسنا بح

 أحمد أبوالغيط، الأمين
أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية

انطلقت فعاليات الجلسة الافتتاحية للقمة العربية الثامنة والعشرين في منطقة البحر الميت بالأردن، اليوم الأربعاء، بحضور قادة وزعماء الدول العربية.


وقال أحمد أبوالغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية: إنه رغم كل مظاهر الوهن التي تعتري نظامنا العربي، وبرغم ما تُعاني منه أمتنا من مشكلات عديدة وانكسارات وانتكاسات.. فقد تداعت لي أسباب أمل وتفاؤل في وسط ظلمة حالكة.

وأضاف: الجامعة العربية يُمكنها أن تكون الجسر بين العرب وأن تكون قائد عمل مشترك مثمر بين العرب.. ويُمكنها أن تنجز بشكل طيب في ملفات اقتصادية واجتماعية وثقافية وفكرية بل وعلمية إذا ما توفر لها دعم الدول جميعًا وتلاقت إراداتها السياسية على ذلك.

طيور جارحة
وتابع: "تحوم حول منطقتنا طيور جارحة كثيرة تريد أن تنهش في الجسد العربي وأن تفتئت على قدرة العرب على توحيد صفهم، وأن تضع العرب في تناقض بين بعضهم البعض، وهناك من هذه القوى من يوظف الطائفية والمذهبية على نحو مقيت لتحقيق أغراض سياسية تناقض المصلحة العربية على طول الخط.. وهو نهج نرفضه ونتصدى له وندعو الأطراف التي تمارسه لمراجعة حساباتها".

ترتيب المنطقة
واستطرد: تتردد أحاديث عديدة عن السعي لترتيب منطقتنا حتى من دون موافقتنا، وبما يخلق أوضاعًا جديدة في الشرق الأوسط وفي مواجهة هذه الأطروحات جميعًا فقد دافعتُ خلال الأشهر الماضية عن أمرين أساسيين: الأول؛ هو الدولة الوطنية التي خرجت إلى النور في القرن العشرين، والتي ينبغي الحفاظ عليها باعتبارها نواة النظام العربي التي لا يجب المس بها. والثاني؛ التأكيد على أن الوضع العربي الحالي، ومع كل الإشكالات التي يعانيها، ليس مؤهلًا بعد للدخول في أية ترتيبات طويلة الأمد للأمن الإقليمي في ضوء اختلال موازين القوى الذي نرصده جميعًا.

الملفات الأهم
وقال أبو الغيط: وفي الشأن السياسي، وجدت أن الملفات الأهم ليست في حوزتنا، أو ضمن قدرتنا على التأثير ربما بسبب تداعيات السنوات الست الماضية فنحن نتابع عن كثب الأزمة السورية دون وسيلة حقيقية للتدخل مع أطراف أخرى فاعلة تتصدى لصياغة مستقبل سوريا دون إسهام عربي حقيقي، وهذا أمر أجده معيبًا... ورغم تعقيد الموقف الخاص بليبيا وأزمتها فقد سعيت إلى وضع الجامعة مجددًا في موقف متقدم يسمح لها باستجابة أفضل لنداءات كافة الأشقاء الليبيين الذين يتطلعون بأمل إلى إنهاء فصول أزمتهم المستمرة بدعم ومساندة الجامعة.

القضية المركزية
وأضاف: قضيتنا المركزية فلسطين حظيت باهتمامي البالغ، وتناولتها في لقاءاتي وأحاديثي، بيانًا لها ودفاعًا عنها وإعلاء لشأنها.. ومع ذلك فإن الوضع ليس على ما يرام من ناحية، وهو متحرك وإيجابي من ناحية أخرى، لافتا إلى أن إسرائيل لازالت تصمم على احتلالها لأراضي فلسطين، وهي تسير سادرة في غيها دون رادع وتُمعن في البناء الاستيطاني والتهويد والاستيلاء على الأرض، كما أن الانقسام الفلسطيني له تبعاته السلبية، أما على الجانب الإيجابي، فهناك قرار مجلس الأمن الأخير بإدانة الاستيطان وتأييد حل الدولتين، وهناك أيضًا مؤتمر السلام الذي انعقد بباريس في يناير الماضي وشاركت فيه قوى دولية كثيرة اتحدت إرادتها حول المطالبة بإنهاء الاحتلال وتطبيق حل الدولتين، وهناك أخيرًا إدارة أمريكية جديدة تتحدث عن رغبتها في إعادة دفع العملية السلمية، وهذه كلها تطورات يتعين البناء عليها ومتابعتها من أجل نُصرة القضية الفلسطينية.

وأوضح أن اليد العربية لا زالت ممدودة بالسلام على نحوِ ما تقضي مبادرة السلام العربية.. ولا زلنا في انتظار شريكٍ حقيقي على الجانب الآخر يفهم متطلبات السلام ويعمل بجدية من أجل تحقيقه.. ومن أسفٍ أننا لا نجد هذا الشريك رغم تعدد الوساطات والجهود.

أوضاع متدهورة

وأشار إلى أنه خلفت التطورات الميدانية شديدة الصعوبة في سوريا واليمن والعراق، وأيضًا في الصومال، أوضاعًا إنسانية متدهورة بين نزوح ولجوء، بل ومجاعات، فواحد من بين كل اثنين لاجئين في العالم اليوم، هو للأسف لاجئٌ عربي، وأصبح لزامًا علينا كعرب أن نتصدى بشجاعة لهذه الأوضاع لأنها تمس بكرامة الإنسان العربي وحقه في العيش والحياة، وهنا اسمحوا لي أن أشد على أيدي هؤلاء القادة الذين تجاوبوا مع نداء الإنسانية ووجهوا الموارد إلى نجدة اخوتنا المضارين، وإلى البلدان العربية التي وجدت نفسها في وجه عواصف من المآسي البشرية، ففتحت الأبواب وآوت المشردين وأغاثت الملهوفين وداوت الجروح، وأدعو القادة العرب بما عرف عنهم من كرم وإنسانية إلى الاستمرار في هذا الدعم، بل وإلى تكثيف العون والمدد لمواجهة هذه الأوضاع الإنسانية التي يُعاني منها مدنيون عُزل في مناطق الأزمات.

مكافحة الإرهاب
وأضاف: بالتوازي مع ذلك كله تحتدم في دولنا الحرب ضد الإرهاب تكافحه الحكومات بكل ما أوتيت من عناصر القوة وتقاومه المُجتمعات بكل ما تملك من عزيمة وإصرار يسقط شهداء بالعشرات والمئات من العراق إلى سوريا إلى غيرهما من البلدان يعيث الإرهاب في حواضرنا فسادًا وخرابًا ومع هذا لم تهن العزائم في مواجهته ولم يتوانَ أحد في التصدي له لأننا نعلم جميعًا أن في استمراره ونجاحه نهاية لنا، وفي القضاء عليه بشكل مُبرم بداية جديدة لمجتمعاتنا ومسيراتها التنموية والسياسية.

العروبة
وتابع أبو الغيط: كانت هذه هي معالم الصورة التي تابعتها وتفاعلت معها على مدار الأشهر التسعة الماضية ولا ينبغي أن ننسى وسط كل هذه الهموم الجاثمة والتحديات الجسام أن غاية العمل العربي هي المواطن العربي ولا شيء آخر أمنه ورخاؤه وسعادته وضمان مستقبله والمواطن العربي، على ما نرى جميعًا، ينتابه قلقٌ كبير وهو يُتابع حال الأمة ويشاهد ما تتعرض له من محنة غير مسبوقة في تاريخها الحديث والحقُ أن القلق مشروع والخوف من المستقبل مفهوم بل إن هذا القلق هو أيضًا علامة صحة ودليل حيوية في الجسد العربي فالحقيقةُ أن الشعور العربي الجامع ما زال موجودًا والعروبة ما زالت موجودة والهموم الداخلية في كل بلدٍ من بُلداننا لا تنفي الاشتراك في الهم العام، والإحساس بالمخاطر التي تُهدد الكيان العربي في مجموعه.

وركز على أن انعقاد القمة اليوم، وبهذا الحضور الكريم، لهو رسالةُ طمأنة لهذا المواطن العربي القلق على مستقبله، رسالة ثقة بأن المنظومة العربية لا زالت تعمل على كل ما فيها من أوجه القصور، وأن التنسيق العربي والعمل المُشترك لا زال هو السبيل الوحيد لمواجهة التحديات، فالخطوة الأولى لمواجهة أي أزمة إقليمية هي توفر الرؤية المُشتركة بين الأطراف، ووجود مساحة من الثقة والتواصل تسمح بمعالجة التباين في الرأي، وهو طبيعي، وبالتحرك بشكل جماعي لمواجهة الأزمات، وهو الغاية المنشودة.

وقال: إن أزمتنا الراهنة شديدة ولكن أحسب أن إرادتنا الجامعة أشد وأصلب.وإن مأزقنا خطير ومصيري، ولكن وحدتنا، إذا صدقت النوايا، قادرة على تجاوزه ليس بنا حاجة إلى التباكي على ما كان أو الانغماس في اليأس.. "إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون"... وإنما نتطلع جميعًا إلى عبور هذه الأزمة بتعاضدنا وتداعينا لنجدة بعضنا البعض، وتوحيد رؤيتنا على أولويات مشتركة للأمن القومي العربي، وفي القرارات المعروضة على القمة تفصيل واضح لهذه الأولويات جميعًا، فلا نجاة لنا مما نحن فيه إلا مجتمعين متحدين.. واجتماع إرادتنا يقطع بنا نصف الطريق إلى ما نصبو إليه.

نوافذ أمل
واستطرد: إن عالمنا العربي قادرٌ على اللحاق بعصره، وشبابه راغبٌ في المشاركة في البناء من أجل المستقبل، من الضروري نفتح أمام هؤلاء الشباب نوافذ الأمل والرجاء وأن تُطرح في مجتمعاتنا عقود اجتماعية جديدة تستنفر طاقاتهم ومواهبهم الإبداعية لبناء اقتصادات تنافسية تُفيد كافة طبقات المجتمع وتقوم على نماذج عصرية في التنمية، تنمية البشر والحجر معًا، تنمية تنزع عن المجتمعات آفة التطرف وتواجه غربان الهدم والخراب بمعاول البناء والعمران.. فكل فرصة تعليم جيد أو عمل لائق تنشل أسرة من الفقر وتثبت إيمان الفرد بمجتمعه ودولته بل قد توفر دماء زكية وتنقذ أرواحًا بريئة.

واختتم كلمته: لا يُداخلني شك في أن الشعوب والحكومات العربية قادرة على عبور هذا الفصل الخطير في تاريخها الحديث، وهي أشد قوة وأصلب عودًا وأمضى عزيمة وأكثر تضامنًا ووحدة.
الجريدة الرسمية