رئيس التحرير
عصام كامل

تذكرة المترو.. وأسلوب تفكير الحكومة


بشرنا السيد وزير النقل الدكتور هشام عرفات –لا فض الله فوه– ببداية جديدة لتحسين خدمات مترو الأنفاق، ووقف الخسائر التي كان يتكبدها، وذلك بعد زيادة أسعار تذكرة المترو إلى جنيهين، وذكر سيادته- أكثر الله من أمثاله- أن تلك الزيادة في صالح المواطن الغلبان!! رغم أنه بذات نفسه وبعظمة لسانه التي سيأكلها الدود، ذكر من قبل بأيام قليلة أنه لا تفكير في زيادة أسعار المترو!


وبالطبع لن نسأل سيادته عن الحكمة من رفع الأسعار وربطها بمصالح المواطن، فكلما ارتفعت الأسعار– من وجهة نظر الحكومة– صبَّ ذلك في مصلحة المواطن البسيط! وقد تكون وجهة النظر أنه مع رفع الأسعار سيرتدع المواطن الغلبان الذي تسوِّل له نفسه، الأمارة بالسوء، عن شراء الضروريات مثل الزيت والسكر، ومن قبلهم الوهم المسمى باللحوم إلخ، وبذلك يكون مواطنًا روحانيًًا يرقى إلى أسمى مراتب الإنسانية فيلقى ربه سريعًا صريعًا، وهو سعيد لأنه عاش في ظل حكمة سيادتهم التي جعلته صوفيًا زاهدًا في متاع الدنيا، وبالتالي يدخل الجنة!

إذا سيادتهم عندما يرفعون الأسعار فذلك يصب في مصلحة المواطن وهو لا يشعر، وينبغي عليه أن يشكرهم على ذلك ولا يتذمر أو يشكو، فهم يحرمونه -صحيح- من ضروريات الحياة كالطعام والدواء ولكن لماذا؟ هل لفشلهم، لا سمح الله، في اتخاذ سياسة جادة نحو التنمية الحقيقة ومراعاة حقوق البسطاء؟

هل لعدم معرفتهم أبسط قواعد الاقتصاد العادل الذي يقوم بداية على إقامة نهضة صناعية، والتوسع في إنشاء المصانع التي تكفي المصريين شر الاستيراد، وتخفف من خطر البطالة، وتؤدي إلى خفض الطلب على الدولار ثم التصدير وجلب عملة صعبة؟ هل لعدم استفادة سيادتهم من الأموال الطائلة التي في حوزة البنوك في نهضة صناعية كبرى، وإدارة المصانع الجديدة بأسلوب مشاركة الشباب في رأس مالها، وإدارتها بما ينعكس على جديتها وإخراجها منتجات مربحة؟

هل لعدم فهم سيادتهم في أسلوب إدارة المصانع القديمة التي أنشأها عبد الناصر كقطاع عام، وصار –أي عبد الناصر– مما يسخر منه وزراء العذاب، وإعادة هذه المصانع للعمل إعادة جادة بعد إعادة إدارتها لتتماشى مع أسلوب القطاع الخاص، بحيث ترتبط العلاوات والمكافآت.. إلخ بالإنتاج وليس فقط بالوظيفة؟ هل لعدم إدراك سيادتهم أن التوسع في إنشاء المباني السكنية لا يمكن أن يكون هو الحل بل التوسع أولًا في إنشاء المصانع بأيدي مصرية وأموال مصرية، وهى بعد ذلك التي ستجلب المساكن وتنشئها للعاملين بهذه المصانع؛ مما يؤدي لمجتمع صناعي أولًا ثم سكني وعمراني ثانيًا؟

بالطبع سيادتهم يفهمون في مصلحة المواطن أكثر منه، ويريدون له الخير بزيادة كل الأسعار والخدمات، ومنها زيادة المترو التي بشرنا بها سيادة الوزير، وأنها ستدخل مصر مرحلة الرخاء في المترو! ولن يخسر المترو بعدها أبدًا، وستحل كل أزمات المترو والمواطنين الذين يعانون من سوء الخدمة، لكني بصفتي مواطن غلبان بسيط لي الحق أن أسأل سيادته بعد هذه الزيادة –التي أقر أنها في مصلحتي وعلى رأسي وعيني– ماذا سيفعل سيادته لإصلاح البوابات الإلكترونية التي يتسرب منها أكثر من 35% من الإخوة المواطنين الذين يرون في ذلك فهلوة؟

ولماذا لم يصلح أحوال هذه البوابات أولًا ليرى أن إصلاحها كان كفيلًا مع غيره لوقف الخسائر بدلًا من أن يبدأ أولًا بالحل السهل وهو البحث في جيوب المواطن البسيط مثلي، الذي صارت جيوبه خاوية على عروشها؟ ولماذا يقبل سيادته أن تباع إعلانات المترو بسعر يقل عن العادل بأكثر من 200% ولو بيعت لعوض ذلك خسائر المترو؟ ولماذا سيادته لا ينظر في أمر التعيينات المستمرة في المترو، من قبيل الخدمات المعونة والأمن وملاحظي البوابات وهم لا يفعلون شيئًا بل يتسببون في زحام المترو، كما أن مرتباتهم تزيد من الخسائر وهم بطالة مقنعة؟

ولماذا لا يفكر المسئول أولًا في حلول مشكلات وزارته، التي تحقق خسائر بسبب سوء الإدارة والتنظيم وضعف الرقابة قبل أن يفتش في جيوب المواطنين؟

فقد صار أسلوب الحكومة ابحث أولًا في جيوب الموطنين، خاصة البسطاء والموظفين الذين تمتلك الحكومة مرتباتهم فتخصم منها كيفما شاء،ت لأن هؤلاء يعملون في عزبة سيادتهم، وليس من حقهم الاعتراض أو حتى تقديم النصح.
الجريدة الرسمية