رئيس التحرير
عصام كامل

من سيناء إلى لندن.. نيران الإرهاب تضرب الجميع


في الوقت الذي كان الوفد الدبلوماسي المصري بمقر الأمم المتحدة بجنيف يحاول انتزاع قرار من مجلس حقوق الإنسان في دورته رقم 34، متعلق بالإرهاب، وتأثيره على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وتجريم عملية توفير الدعم والملاذات الآمنة للتنظيمات الإرهابية، كانت سيناء ترتوي بدماء شهداء جدد من أبطال الجيش المصري في حربه المستمرة على الإرهاب وجماعات التكفير والقتل، وكانت العاصمة البريطانية لندن تشهد جريمة إرهابية جديدة تطال المواطنين الآمنين.


شاء لي الحظ أن أكون متواجدًا في مقر مجلس حقوق الإنسان بجنيف، وأن أشارك زملائي في تحالف منظمات المجتمع المدني، من أجل الاستعراض الدوري الشامل وعرض تقرير تقييم حالة حقوق الإنسان في مصر في ضوء توصيات الاستعراض الدوري الشامل في الوقت الذي جرت فيه كل هذه الأحداث، وأن تكون كلمتي منصبة على الإرهاب وخطره الداهم على حقوق الإنسان، خاصة الحق الأقدس وهو الحق في الحياة، وهو ما دعاني للتأمل في الطريقة التي تتعاطي بها الدول والمنظومة الأممية مع خطر الإرهاب، وكيف أنها لم تستطع حتى الآن أن تحسم خياراتها بشكل قاطع أمام هذا الوحش الذي يضرب بقسوة وعنف في كل بقعة من العالم، دون أن يجد رادعًا أمميًا ودون أن تدرك الدول أن التكاتف هو السبيل الوحيد لمجابهته.

فبريطانيا التي شهدت الجريمة الأخيرة كانت –وما زالت– تمنح الملاذ لكثير من منتسبي الجماعات الإرهابية، ومن بينها تلك التي ينتمي إليها مرتكب تلك الجريمة البشعة، وهناك دول أخرى ما زالت توفر للإرهابيين الدعم اللوجيستي والتنظيمي والأدوات الإعلامية والغطاء السياسي في ظل صفقات مشبوهة ومصالح إقليمية لا تراعي حرمة الدم وقدسية الحق في الحياة، وتتحالف سرًا مع تلك الجماعات على حساب الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان.

وللأسف فإن تلك الأنظمة والدول التي تدعم -بشكل مباشر أو غير مباشر- التنظيمات الإرهابية كانت تتعامل بميوعة شديدة مع نداءات الدول التي اكتوت بنار الإرهاب ومنها مصر، ولم تتخذ أي خطوات جادة في سبيل التأسيس لنظام دولي مناهض للإرهاب والتطرف والعنف، ظنًا منها أنها بمنأى عن الخطر وبعيدة عن يد الإرهاب الغاشم وجرائمه، ولكن تزامن الجرائم الإرهابية في سيناء بمصر ولندن ببريطانيا في نفس الوقت يذهب بظنون هذه الأنظمة والدول أدراج الرياح.

كل شعوب العالم من حقها أن تعيش في أمان، وأن يضمن كل مواطن يمارس حياته اليومية حقه في الحياة، ودور الدولة الرئيسي هو السعي بكل السبل من أجل إتاحة الحق في الأمان والحق في الحياة وحمايتهم من خطر التعرض لهما من التنظيمات الإرهابية العابرة للأديان والثقافات، ومن ثم تصبح الحرب على الإرهاب فريضة على كل سلطة تهتم بأمر شعوبها، ومن غير المقبول أن تسمو اعتبارات علاقة هذه السلطة بجماعة ما أو تنظيم ما على اعتبارات حمايتها لأمن وحياة مواطنيها.

إن حادث سيناء الذي أسفر عن استشهاد ضباط وجنود مصريين كانوا يؤدون واجبهم المقدس، وحادث لندن الذي أودى بحياة مواطنين بريطانيين أبرياء، ومن قبله عشرات الحوادث الإرهابية في أوروبا والمنطقة العربية وتركيا وجنوب شرق آسيا وغيرها، كلها تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن اللحظة قد حانت للاعتراف بأن العالم إذاء حرب شاملة من تنظيمات موتورة لا تفرق بين من حاربها منذ البداية وكشف مخططاتها ولفظها "كمصر"، وبين من قدم لكوادرها فرص اللجوء السياسي لاعتبارات ربما ترتبط بسوء تقدير لخطرهم كبريطانيا، وحتى بين دول قدمت لهذه الجماعات الدعم السياسي الكامل والمنابر الإعلامية، التي يحرضون من خلالها على العنف كتركيا مثلًا.

خلاصة القول، والدرس المستفاد من كل ذلك هو أن الوقت قد حان لمواجهة الخطر بما يستحقه من جدية، ونزع الأقنعة والتحلي بالمسئولية والإدراك الكافي أن النيران قريبة من أطراف أثواب الجميع.
الجريدة الرسمية