رئيس التحرير
عصام كامل

حسبنا الله ونعم الوكيل


خلال اجتماع لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب حمل الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة، الرئيس جمال عبد الناصر، مسئولية تدهور قطاع الصحة، قائلا: "منظومة الصحة متهاوية بسبب القرار الذي أصدره الرئيس جمال عبد الناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة"؛ لافتًا إلى أنه لا توجد دولة في العالم قادرة على تحمل أعباء الصحة كما تحملتها مصر.. 

وأضاف: "وإذا اعتبرنا أن الأطباء مجاهدون في سبيل الله، فلا يمكن اعتبار الأعباء الصحية مجانية، فمثلا الأشعة مكلفة للغاية وتذكرة المريض التي تبلغ جنيه واحد غير كافية بالمرة لسد احتياجات المنظومة الصحية".

وعندما شعر بفداحة ما قاله تراجع واعتذر لكن اعتذاره غير مقبول ليس بسبب أنه أخطأ في حق رمز من رموز مصر لكنه بسبب أنه كشف عن تفكير وزير من المفترض فيه أن يكون وزير الرحمة للشعب المصري يرحم آلامه ويعالج الفقير دون أن ينتظر المقابل المادي، لكن بالطبع السيد وزير الصحة من كبار الأطباء الذين لا ينظرون لمثل هذه التفاهات! إنه رجل أعمال في مجال الطب، فالعلاج لا يكون إلا بمقابل مادي مرتفع، ومن لا يمتلك هذا المقابل المادي فعليه أن يتخذ مكانًا بجوار القبر حتى يموت دون أن يزعج أمثال هؤلاء الأطباء الذين يرون تلك المهنة مصدرًا للثراء لا علاقة لها بالرحمة أو الإنسانية.

الرئيس جمال عبد الناصر، يا سيادة الوزير الهمام، عندما اتخذ قراره بإنشاء مظلة التأمين الصحي دون أن يستشير مجلس النواب وقتها، كان السبب في ذلك أنه قرر أن يكون علاج المرضى المصريين البسطاء مجانيًا تمامًا، وهو يعلم أن القادر لن يلجأ لعلاج الدولة أو مستشفياتها العامة لكنه سيعالج في الخارج أو المستشفيات الخاصة، فقد أراد الزعيم عبد الناصر –الذي لم يكن يظن أنه سيأتي يوم يخرج وزير للصحة مصري الجنسية، يعيب على من رحم الشعب الفقير البأس، وقرر علاجه وتعليمه بالمجان– أن يضرب مثالا في الإنسانية والحفاظ على حقوق الشعب البسيط، وأن يجعل هذا الشعب يجد حقه في العلاج والتعليم بالمجان، رغم ما كانت تعانيه مصر وقتها، وطبق المنظومة التي حافظت على أرواح ملايين المصريين من منطلق الرحمة والعدالة..

لكن جاء وقت أصبح كل شيء فيه يقدر بالمال، ومن لا يمتلك المال ينبغي أن يعيش جاهلا ويموت مريضًا؛ لأن سيادة وزير الصحة وأمثاله من أثرياء ذلك الوطن الذين تعلموا في ظل مجانية عبد الناصر، وعولجوا في ظل منظومة علاجه المجاني، وصارت لهم كرامة في ظل إعادته الكرامة للفلاح البسيط والعامل المسكين، هؤلاء يأتي عليهم الزمن ليبيعوا ويشتروا في المصري البسيط، ويضعون شرط المقدرة المادية لعلاجه أو تعليمه؛ ليعودوا بذلك إلى ما قبل ثورة 23 من يوليو 1952، حيث مجتمع النصف بالمائة، وطبقة السادة ويمثلها السيد الوزير الهمام، وطبقة العبيد ويمثلها المصري الفقير البائس الذي لا يجد مالا لعلاجه فلا يستحق الرحمة أو العلاج، وإنما عليه أن يموت دون أن يشكو، وإن اشتكى فتكون شكوته لله الذي لا يعملون له حسابًا، ولا يتقونه في أقوالهم وتصرفاتهم وسلوكياتهم، فحسبنا الله ونعم الوكيل.
الجريدة الرسمية