الغاز في مصر وإسرائيل ما بين الاستيراد والتصدير
ماذا حدث لقطاع الغاز في مصر؟ لماذا تحولت مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة مستوردة له؟ ماذا يعني لنا وجود إسرائيل في حالتي تصدير الغاز واستيراده في مصر؟ وهل عمولات عقود الاستيراد هى كلمة السر؟ وللإجابة على هذه الأسئلة سأخرج عن شكل المقال المعروف لمحاولة التبسيط المقصود في بعض النقاط التالية:
1- كانت مصر قبل ثورة 25 يناير 2011 قادرة على سد احتياجات السوق المحلي من الغاز، وكانت هناك نسبة تفوق 25 % من إنتاجها خصصت للتصدير(إلى الأردن وإسرائيل) ولكن بعد حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في مصر توقفت عمليات الاستكشاف والتطوير للعديد من حقول الغاز في مصر، وأيضًا بعد زيادة الطلب المحلي على الغاز سواء في محطات توليد الكهرباء ومصانع الأسمنت والصلب، أدى الأمر إلى تحول مصر من دولة مصدرة للغاز لإسرائيل إلى دولة مستوردة للغاز منها.
2- مصر تستورد الغاز الروسي منذ العام 2015 عن طريق شركة روس نفط، وتم الاتفاق منذ يومين على عقود جديدة تصل إلى مليار دولار في عام2017، وبذلك تكون متجاهلة الشقيقة الجزائر التي تحتل المركز السابع للدول المصدرة للغاز في العالم، ومتجاهلة القرب الجغرافي للجزائر من مصر، مما يجعل الغاز الجزائري أرخص من الغاز الروسي.
3- لا يمكن لنا أن نتجاهل قوة إسرائيل في منطقتنا العربية، واعتماد بعض الدول العربية على قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية، لذلك كانت إسرائيل طرفًا في عقود تصدير الغاز المصري منذ العام 2005، وحتى توقف هذه العقود في العام 2012 بعد عمليات تفجير خطوط إمداد الغاز المصري لكل من إسرائيل والأردن، ولم تستفد إسرائيل من السعر المتدني للغاز المصري فقط ولكن ستحصل شركات الكهرباء الإسرائيلية على تعويض يصل إلى نحو مليار دولار، بسبب توقف الحكومة المصرية عن تصدير الغاز.
4- حقل "تمار" هو حقل غاز إسرائيلي مسروق من دولة لبنان الممزقة، من خلاله أصبحت إسرائيل تؤمن احتياجاتها من الغاز في السوق المحلي وستقوم بتصدير الغاز للأردن ومصر، ومن المعروف أن إسرائيل ستقوم بإقامة محطة إسالة على الشاطئ القبرصي، لتكون هذه المحطة بعيدة تمامًا عن مناطق النزاع في المنطقة العربية والخطر الإرهابي ولتكون قريبة من أوروبا، الأمر الذي يزعج روسيا جدًا، ولذلك هناك محاولات قوية لدخول شركة غاز "بروم" لتكون شريكًا في حقول الغاز الإسرائيلية، وأيضًا هناك معارضة مشتركة روسية- تركية لإقامة محطة الإسالة في قبرص.
5- بعد مفاوضات كبيرة لمدة عامين تم أخيرًا التوصل إلى اتفاق بموجبه ستستورد مصر الغاز الإسرائيلي عن طريق شركة دولفينوس المصرية( غير المعروفة) بقيادة الدكتور علاء عرفة ولمدة 15 عامًا.
6- العقود التي تم إمضاؤها منذ يومين بين شركة "نوبل إنيرجي" الأمريكية والتي تعتبر اللاعب الرئيس في حقل "تمار" الإسرائيلي وشركة "دولفينوس" المصرية ستكون بقيمة من 15 إلى 20 مليار دولار لمدة 15 عامًا، السؤال الملح لماذا يتم الاتفاق على عقود طويلة الأمد خصوصا مع الجانب الإسرائيلي؟ هل ننوي دفع تعويضات بالمليارات مرة أخرى لإسرائيل؟ من المعروف أن حقل (ظهر) المصري سيؤمن احتياجات السوق المحلية المصري خلال عامين، وكل المؤشرات تجزم بعودة مصر للدول المصدرة للغاز بحلول 2020.
7- من المعروف أن هناك شركات (الواجهة) التي تقوم بإبرام العقود الخاصة بالغاز والبترول بدلًا من الحكومات، وفي مصر كانت هناك شركة (غاز شرق المتوسط) بقيادة حسين سالم هى التي كانت مسئولة عن عمليات تصدير الغاز المصري وكان يحصل على عمولات يومية تصل إلى 3 مليون دولار، أما الآن فهناك شركة "دولفينوس" بقيادة الدكتور علاء عرفة وهى المسئولة عن استيراد الغاز وسنعلم نسبة عمولاته قريبًا، عندما يتم فتح ملفات هذه الصفقة المشبوهة.
8- شركة "دولفينوس" ستقوم بإنشاء خطوط جديدة بحرية لنقل الغاز من إسرائيل إلى مصر، لماذا لن يتم استخدام خطوط نقل الغاز العريش- عسقلان، والتي تعتبر جزءًا من خط الغاز العربي؟ هل عملية عودة الأمن لسيناء ليست قريبة؟
9- الغاز وخطوط النقل الخاصة به هو محرك أزمات معقدة في وقتنا الحالي، أهم هذه الأزمات هى الأزمة السورية وخط الغاز العربي والأزمة الأوكرانية، وتعتبر محرك التقارب الروسي- التركي والذي تسعى من خلاله روسيا لمد خط أنابيب غاز يصل إلى أوروبا عن طريق الأراضي التركية، فهو صراع دموي للبائعين لاكتساب المشترين.
بعد هذه النقاط يمكن لنا أن نقول إن ملف الغاز بمراحله (الاستكشاف ثم الإنتاج ثم الإسالة ثم النقل) سيمثل وقودًا لنزاعات حالية ومستقبلية لجميع دول حوض البحر الأبيض المتوسط (تركيا، قبرص، مصر، إسرائيل، سوريا، ولبنان) ودول الخليج ليست بعيدة، وأيضًا روسيا الاتحادية وهى بالفعل قريبة، وكنت أتمنى أن تكون مصر مشتركة في هذا الصراع كدولة مصدرة للغاز وليست كدولة مستوردة.
طبعًا نتفهم حلاوة العمولات الخاصة بعقود الغاز، لكن ما حدث مع شركة "غاز المتوسط" الخاصة بحسين سالم هو درس للأجهزة الأمنية المصرية التي تسهر على مصالح هذا الوطن بعيدًا عن المصالح الشخصية بعدم السماح بتكرار هذه التجربة مع شركة "دولفينوس".