نجيب محفوظ يكتب: أمي علمتني الحياة
نشر رجاء النقاش في كتابه «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، مقالًا كتبه الأديب نجيب محفوظ عن أمه قال فيه:
«كانت أمي سيدة أمية لا تقرأ ولا تكتب، ومع ذلك كنت أعتبرها فخرًا للثقافة الشعبية، كانت تعشق سيدنا الحسين وتزوره باستمرار، وفي الفترة التي عشناها في الجمالية كانت تصحبني معها في زياراتها اليومية، وكانت تطلب مني أن أقرأ الفاتحة عند دخولي المسجد».
وأضاف: «وعندما انتقلنا إلى العباسية كانت تذهب بمفردها؛ لأني لم أعد طفلا يطاع ولم يعد من السهل أن تجرني وراءها في كل مكان».
وتابع: «والغريب أن والدتي كانت دائمة التردد على المتحف المصري وتحب قضاء أغلب الأوقات في حجرة المومياوات والأعراف، ولا أعرف السبب ولا أجد لذلك تفسيرًا».
وأكمل قائلا: «حبها للحسين والآثار الإسلامية كان ينبغي أن يجعلها تنفر من تماثيل الفراعنة؛ لكنها كانت بنفس الحماس تذهب لزيارة الآثار القبطية خاصة دير ماري جرجس».
واستطرد: «أن حب والدتي لزيارة المتحف والآثار الفرعونية لم يكن من منطلق ديني أبدا؛ لأنها كانت تعتبر هذه الآثار مساخيط كما يسميها أهالي الجبل في الصعيد، ولا أجد تفسيرًا لغرامها بالآثار القديمة، ففي أسرتي الآن سيدات تعلّمن في مدارس أجنبية ويجدن اللغات الأجنبية والعزف على الآلات الموسيقية.. ومع ذلك ليس لديهن ثقافة أمي أو غرامها بالتاريخ والآثار».
وقال: «إنني أجد في أمي عراقة وأصالة أكثر من سيدات هذا الجيل، إلى جانب ذلك كانت مغرمة بسماع الأغاني خاصة أغاني سيد درويش، بالرغم من أن والدها الشيخ إبراهيم مصطفى كان أزهريًّا وله كتاب في النحو».
وذكر: «علاقتي بوالدتي واسمها فاطمة كانت أوثق من علاقتي بوالدي؛ لأنه كان مشغولا، كما مات والدي عام 1937 وعاشت أمي بعده سنوات طويلة حتى تجاوزت المائة وتوفيتْ عام 1968 وظللت أعيش معها في منزل العباسية حتى تزوجت عام 1954، حقيقة لقد علمتني أمي الحياة».
واختتم: «كانت تتمتع بصحة جيدة ولا أتذكر أنها ذهبت يومًا للطبيب، وكانت تحظى بمكانة وحضور كبيرين بين أقاربنا ورغم أنها عاصرت ظهور التليفزيون إلا أنه لم يدخل بيتها، ولم تدخل السينما إلا مرة واحدة لمشاهدة فيلم «ظهور الإسلام».