رئيس التحرير
عصام كامل

محمد طلعت يكتب: رسالة إلى الرئيس.. الفرق بين الشانزليزيه والمعز

فيتو

يعد شارع «الشانزليزيه» أهم شوارع فرنسا الشهيرة، ويحتوي على مقاهي ومحال مختلفة ومطاعم ومكتبات، وتعد عقاراته من أغلى العقارات في العالم، كما أن بعض المواقع الأثرية الفرنسية موجودة أيضا في الشارع، بما في ذلك قوس النصر وميدان الكونكورد.


أما شارع «المعز لدين الله الفاطمي»، فهو شارع تاريخي من أهم شوارع مصر، به مطاعم ومحال ذهب وعطور وعطارة وفضة وإكسسوارات وملابس ونحاس ونجف وأنتيكات وغيرها، وبه 215 أثرا من أهم المعالم الإسلامية في العالم، والتي ينفرد بها، وقدر ثمن إحدى الشقق به في عقار قديم بشارع المعز بمبلغ يصل إلى 110 آلاف يورو، وهو سعر ضخم بالنسبة لمصر.


ويمتد شارع الشانزليزيه لنحو 1.91 كيلو متر، من ساحة الكونكورد مع مسلة الأقصر، إلى مكان شارل ديجول، ومن موقع قوس النصر، وشارع الشانزليزيه يشكل جزءا من هيستوريقو فأس.


أما شارع المعز فيزيد طوله عن الكيلو متر بقليل، بدءًا من الغورية وحتى باب الفتوح، وعلى الشرق باب زويلة وخان الخليلى، والغرب منطقة النحاسين.


ويتميز شارع الشانزليزيه بأنه إحدى الوجهات السياحية الرئيسية في باريس، التي يحدها الجزء السفلي من الخضرة والمباني مثل مسرح مارينيي والقصر الكبير "الذي يحتوي على قصر دي كوفرتيه DECOUVERTE"، وبه قصر الإليزيه، ودور السينما والمقاهي والمطاعم، والمحال المتخصصة الفاخرة.


وهناك أيضًا قوس النّصر والذي يجذب السيّاح من مختلف مناطق العالم لزيارته، فهو أيقونة فرنسيّة لا نظير لها في العالم كلّه، ويوجد هذا القوس في نهاية شارع الشانزليزيه، أما المسلة المصرية فتقع في ساحة الكونكورد، وهي إهداء من الحكومة المصرية في زمن حكم محمد على، وأضافت فرنسا لها قمّة ذهبيّة جميلة في عام 1998، ويبلغ ارتفاعها نحو 23 مترًا.


وينفرد شارع المعز بالعديد من الآثار الإسلامية والمميزة، باب الفتوح، والأسوار الفاطمية الشمالية، وباب النصر، ووكالة قايتباي، ومسجد الحاكم بأمر الله، وبيت السحيمي، ومنزل مصطفى جعفر، ومسجد الأقمر، ومسجد حسن، وقصر الأمير باشتاك، وكتخدا العراوي، ومنزل عثمان كتخدا، ومجمع قلاوون، وسبيل وكتاب خسرو باشا، ومدرسة الأشرف، ومسجد الشيخ مظهر.


ويشترك الشارعان بأن بهما منطقة مشاة، ولكن في الشانزليزيه هناك رصيف مشاة، وطريق مركبات، ولكن لن يمكنك أن تجد «دراجة» فوق رصيف المشاة الذي يتراص به مقاعد المقاهي والمطاعم واستندات المحال، أما شارع المعز فمصمم للمشاة فقط، وممنوع مرور السيارات أو الدراجات النارية به، ولكن هذا لا يحدث، فالشارع تحول إلى طريق للشباب أصحاب «الموتوسيكلات»، من أجل إثارة القلق في نفوس المواطنين هناك.


وفور دخولك شارع المعز من اتجاه الغورية ستصل في أمان الله وسط زحام الباعة الجائلين واستندات المحال وبضائعها حتى الحاجز الأمني، وفور مرورك منه فمن المفترض ممنوع منعًا باتًا مرور السيارات أو الموتوسيكلات بأي شكل، ويتواجد أمن خاص وقوات تابعة للداخلية تنظم ذلك، ولكن هذا حلم فقط، لأن الشارع يمتلئ بأنواع الموتوسيكلات المختلفة والسيارات الملاكي، والربع نقل، ويسيرون بسرعات تصل إلى 60 كم في الساعة.


استغل الفرنسيون شارع الشانزليزيه من أجل العالمية، ونجحوا في ذلك، وهنا في مصر خاطبنا الوزير والخفير مرارًا وتكرارًا لإنقاذ الشارع وتاريخه وآثاره وأهله، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالوزير لا يسأل والخفير لا يرغب في العمل، ولا أمانع أن يحضر للشارع كافة الثقافات الشبابية، ولكن عليهم أن يجبروا على احترام «أهل الدار» أولًا، وألا يثيروا القلق والرعب بأفعال غير حضارية، وعلى الأمن تنظيم ذلك، وعلى وزارتي الثقافة والآثار نشر ميثاق شرف أخلاقي للتعامل داخل الشارع، ومن يزره يلتزم به، وذلك ليس بخطأ أو تعسف، بل هو حفاظ على الهوية والأخلاق والخير داخل أفضل شارع بمصر.


كنت أزور الشارع كل جمعة، أجلس به وحدي، أو مع أصدقائي، نغني ونفرح ونجلس ونشترى الكتب ونأكل من الضامن ونشرب العصير من الكيلاني، ونحتسى القهوة داخل الربع الثقافي، كعادة لزيارة الشارع، ولكن اليوم أخاف من السير في الشارع، فيأتى بجانبك سائق موتوسيكل ويزيد سرعته جدًا حتى وإن كان يزيد من البنزين دون السير، فقط ليقلقك وهو يضحك ومعه أصدقاؤه، كما تجد من يعاكس الفتيات وهو لا يبالي مع من يسيرون أو من ينهره، بل على العكس إن عاتبه أحد من أهل الشارع أو الزوار يستفزه ليتشاجر معه.


أما الباعة الجائلون والمصورون وأصحاب القرود والنسانيس فأرحب بهم من أجل أكل العيش، ولكن عليهم تنظيم أنفسهم والاستعانة بالأرصفة دومًا، فمن الممكن بتنظيم أماكن وجودهم أن نجعل المنظر حضاريا ومميزا، وبالعشوائية سنجعل الأمر وكأنه سوق الإثنين أو شادر خضار وفاكهة.


العجيب في الأمر أننى كنت أسير الجمعة الماضية داخل الشارع، وسمعت صوتا من داخل «بيت القاضي»، "أحلى مسا وتحية على الناس اللى حضروا معانا، نعم لا تتعجبوا، الصوت من سطح البيت، وهناك "سماعة" تظهر في الأعلي تنقل أصوات ما يحدث في الداخل، ولكم أن تتخيلوا ما أصبح عليه البيت الأثري والتاريخي، فالحوائط تصرخ والأعمدة تكظم غيظها حتى لا تهد عليهم.


أطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي، بسرعة التدخل كما تدخل بمشكلة الصرف الصحى في أسوان، ولا داعي لذهابه، ومن الممكن أن يرسل شخصا محل ثقة، ينقل ما يحدث بالشارع بشفافية وصدق، وأن يصدر تعليماته بسرعة الحفاظ على ذلك الشارع التاريخي القيم، فذلك هو المتنفس الوحيد الذي تشعر به أن مصر الآن الماضي والحاضر وتجتمع من أجل عودة الروح في حب الوطن.


أناشد وزراء الآثار والثقافة والداخلية والسياحة، ومحافظ القاهرة، بسرعة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، فتلك الحكومة لا تتحرك إلا بعد «خراب»، ولا أنكر أن الشارع بدأ في الخراب بأيدينا نحن، مع كامل أسفي، وإن لم يكن هناك قواعد صارمة تجبرنا جميعًا للحفاظ على تاريخ وهوية الشارع، فعلينا أن ندفن رؤوسنا أسفل أرض الشارع التي خصصت للمشاة فقط وممنوع سير السيارات والموتوسيكلات بها بذلك الشكل الفج والغريب.
الجريدة الرسمية