رجل الدولة المريض
معرفة الحالة التي وصل إليها "ماسبيرو" لا تحتاج إلى أي مجهود، فما عليك إلا أن تشاهد أحد البرامج التي تقدم على شاشته وستعرف كم وصل التراجع لهذا الكيان الضخم، ستجد الانهيار ماثلا أمامك على الشاشة يكاد أن يصرخ انقذونى من هذا الضياع، لن تجد صورة أو موضوع أو حوار، أما الديكور فهو رفاهية مبالغ فيها لسنا بحاجة إليها، في الماضي كنّا نتندر على مستوى القنوات الإقليمية وضعف المستوى الذي يقدم على شاشتها، الْيَوْمَ أصبح التليفزيون المصري بجميع قنواته وبرامجه مثل برامج القنوات الإقليمية في أسوأ حالاتها..
حالة التراجع والموت السريري التي يعاني منها التليفزيون المصرى لم تكن وليدة الصدفة أو أنها رغبة العاملين به أو بسبب المنافسة الشديدة من القنوات الخاصة، أو تغيير مزاج المشاهد المصرى، وإنما بقرار من الحكومة التي أدارت له ظهرها، وأهملته عن عمد، وأغلقت الأبواب على كل من فيه وأطفأت الأنوار عن استوديوهاته بدعوى ترهل هذا الجهاز الكبير، وعدم جدوى إصلاحه وكثرة عدد العاملين به، وأن جميع الحلول لن يكون لها جدوى في إنقاذ ماسبيرو، ومن الحكمة تركه كما هو حتى يسقط على من فيه..
كنت أحد العاملين بهذا الجهاز قبل ثورة يناير وكان كل شيء فيه يقول إنه في قلب وعقل الحكومة، وإنها تنظر إليه عن قرب، أنوار الاستوديوهات لا تنطفئ، والكاميرات لا تكف عن الدوران، وكل يوم ميلاد برنامج جديد وشاشة لا تتوقف عن الكلام.. قبل أيّام ذهبت إلى ماسبيرو هالني ما شاهدته، وأغضبنى ما لمسته، وأزعجنى ما سمعته، الكاميرات لا تعمل، والاستوديوهات أصبحت مخازن أخشاب، والعاملون فقدوا بريقهم..
جهاز غير الجهاز وشاشة غير الشاشة، وكل من يمر من أمام "ماسبيرو" أصبح ظهوره على الشاشة أسهل من دخوله الحمام، فلا أحد يهتم أو أحد يراجع أو أحد يتابع، كل من يريد أن يعمل في "ماسبيرو" حاليًا عليه أن يدفع من جيبه، فلا ميزانية ولا برامج ولا أفكار ولا بشر ولا حياة لمن تنادي..
الحكومة ترى أن هذا الجهاز المريض لن ينقذه سوى من يعاني من المرض مثله ويتحرك على كرسى متحرك، ولهذا أصررت على الاحتفاظ واستمرار صفاء حجازي على رأسه شفاها الله وعفاها، حيث تتحرك بكرسي متحرك منذ أكثر من خمسة أشهر، وجلست في المستشفى أكثر من جلوسها في مكتبها، وكأنها وحدها التي تملك حق حمل مفاتيح ماسبيرو، إعادة النظر في أمر ما تبقى من التليفزيون ليس رفاهية أو مضيعة للوقت، والدولة التي تعيد تأهيل مصانع الغزل والنسيج والحديد عليها من باب أولى إعادة تأهيل ماسبيرو، وأنه من الأفضل أن يكون صوت الدولة القوى بدلا من رجل الدولة المريض.