شكوى «الثروة المعدنية» من الإهمال!
في مقابلة مع بعض مسئولي الثروة المعدنية في مصر استمعت إلى بعض المعوقات التي تعيق هذا المجال، وتقف حجر عثرة لتقدمه ورقيه ونهضته، فالثروة المعدنية هي بالفعل أمل مصر الحقيقي الذي يستطيع أن ينهض بها في وقت قياسي، لكنها تعاني من بعض العقبات، ومنها أن هيئة الثروة المعدنية رغم أهميتها إلا أنها مجرد هيئة تابعة لوزارة البترول، لا يستطيع مسئولوها أن يتخذوا قرارا دون الرجوع للوزارة، مما يعيق العمل والسرعة اللازمة في اتخاذ القرارات، خاصة أن عمل الهيئة له أسلوب وطريقة تختلف تماما عن عمل وزارة البترول..
كما أن وزارة البترول توجه جل اهتمامها للاستكشافات البترولية وتوليها الأهمية الكبرى، في حين أن قطاع التعدين على أهميته هو قطاع درجة ثانية في الوزارة مما يستلزم أن تستقل الهيئة بنفسها، وتكون هيئة لها صفتها الخاصة التابعة للرئاسة أو مجلس الوزراء مباشرة، وتستطيع أن تتخذ قراراتها بحرية وقدرة عالية، وأن توفر لها الدولة كل الإمكانيات الخاصة بالتمويل لأن الأبحاث الخاصة بالتعدين مكلفة لكن عائدها ضخم ويعوض التكلفة ويزيد ليشارك مشاركة فعالة في اقتصاد الدولة، ويجب أن يعامل خبراء التعدين المعاملة اللائقة بهم التي تجعلهم يبذلون طاقتهم في سبيل الكشوف المختلفة وأن تلغى القرارات والأفكار الرجعية التي تعتمد على الروتين.
ومن المعروف أن منجم "السكرى" وضع مصر على خريطة الذهب العالمية، وقد حصلت شركة "سنتامين إيجيبت" على حق امتياز استخراج الذهب من جبل السكرى منذ سنوات طويلة وبدأ إنتاجها الفعلي 2010، وكما ذكر الدكتور يوسف الراجحى، رئيس مجلس إدارة الشركة، أن إنتاج مصر من منجم السكري منذ بداية الإنتاج في 2010 وصل 84 طنًا، وقد حقق الرجحي أرباحا تتعدى 3 مليارات دولار ورغم ذلك لم يسدد للدولة سوى في شهر أكتوبر الماضي 6.5 ملايين دولار للهيئة تحت حساب تسوية الأرباح ليصبح إجمالي ما حصلت عليه الهيئة منذ تشغيل المنجم 120 مليون دولار منها 85 مليون إتاوة و35 مليونا تحت حساب تسوية الأرباح.
المشكلة أن هناك حملة لإفشال البحث والاستكشاف في 5 مناطق منها الصحراء الشرقية وسيناء أعلنتها الهيئة من خلال وزارة البترول.
وتتميز مصر بمناجم الذهب التي لو استغلت لجعلت مصر في المركز الأول عالميا في ذلك المعدن المميز، فخرائط الفراعنة منذ أكثر من 7 آلاف سنة، ومنها خرائط منجم الفواخير، تؤكد أن مصر بها نحو 220 موقع ذهب منها 120 موقعًا ومنجمًا تم استخراج الذهب منها في الماضي.
وتقع معظم المناجم بين البحر الأحمر والنيل وهو ما يعد من عوامل الجذب لصناعة التعدين، بالإضافة للبنية التحتية المكونة من الموانئ في البحر الأحمر وأيضًا المطارات التي تخدم هذه المنطقة، بالإضافة إلى شبكة الطرق. وكل المناطق التي طرحتها الهيئة في مزايداتها الأخيرة يوجد بها ذهب، ودور المستثمر هو البحث عن التكتلات وتركيزات الذهب الموجود في باطن الأرض، وتتميز مصر بسهولة معرفة أماكن الذهب وهو ما يقلل من تكاليف استخراج الأوقية ويجعلها من أرخص التكاليف على مستوى العالم.
وقد اقتربت شركة "ألكسندر نوبيا" الكندية للتنقيب عن الذهب، من الإعلان عن كشف تجارى لإنتاج الذهب من منطقة امتيازها بالصحراء الشرقية قريبًا، وتقوم حاليًا بعمليات البحث والاستكشاف ضمن اتفاقية مزايدة الذهب التي طرحت في عام 2007. والشركة تبحث في مساحة 1370 كيلو مترًا مربعًا بالقرب من المثلث الذهبى بسفاجا، بالصحراء الشرقية، وحققت نتائج مبشرة. كما أن شركات أخرى مثل سان دبى مازالت في مرحلة البحث والاستكشاف عن الذهب بمنطقة امتيازها.
وقد كشفت زيارة المهندس إبراهيم محلب، مساعد الرئيس للمشروعات القومية والاستراتيجية لمحافظتي أسوان والبحر الأحمر، حول عمليات التنقيب والاستخراج العشوائي في مناجم الذهب عن بعض الأمور الخطيرة التي يجب أن تراعى لتعظيم الثروة الذهبية، منها أن هناك أعدادا كبيرة من الأفراد يقومون بالتنقيب العشوائي عن الذهب في هذه المناطق، وأن هناك تجار يستغلون هؤلاء العمال والذين أغلبهم من الشباب في تجميع كميات الذهب من صخور الصحراء ومن داخل المناجم بهذه المنطقة؛ ليقوموا بصهره بطرق بدائية واستخدام مواد "الزئبق أو السيانيد"، لفصل الذهب عن بقية المعادن وبيعه لهم لتحويله إلى سبائك وبيعها في الأسواق بأسعار رخيصة بسبب عدم وجود تمغة عليها..
وهناك نحو 120 ورشة تقوم بهذه المهمة بطرق بدائية لها آثار سلبية ليس فقط على ثروة مصر، وإنما على البيئة بسبب الاستخدام السيئ لمواد كيميائية خطيرة في عملية صهر وفصل الذهب. وأن هذا النشاط السري يهدد المناجم الموجودة في هذه المنطقة والمغلقة منذ الخمسينيات بالتخريب والانهيار، لأن التنقيب عن الذهب لا يتم بأي طرق علمية أو هندسية، وإنما بشكل عشوائي وبدائي. وكل ذلك يحتم أن تكون هيئة الثروة المعدنية هيئة مستقلة لتتخذ ما تراه من قرارات لحماية الثروة المعدنية وتعظيم فوائدها لمصر.