رئيس التحرير
عصام كامل

"رقصة الكرة الأرضية".. قصة لرباب أنور

رباب أنور
رباب أنور

من "تغريدة" على تويتر.. إلى "بوست" على الفيس.. ثم تدوينة لا تسمن ولا تغنى من جوع فى مذكراتها تتبعها فضفضة مع إحدى صديقاتها المقربات عبر المحمول.


لن يجدى كل ذلك هذه المرة إنها تحتاج لشيء مختلف يخرج شيطان حبه الذى تلبس بها.. طاقة سلبية حارقة مُختزنة بداخلها تبحث عن فوهة بركان تخرج منه قبل أن تخلفها رماد..
تنقب عن شيء ما يحمل جسدها ويرتفع به فوق مستوى سطح الأرض عشرات الأمتار أو يزيد دون مقامة منها.. ربما تكون أرجوحة تهدهدها كطفلة؟ أو منطاد يطير بها فى السماء لا لا لا!! فكلاهما سيعود بها إلى الأرض مرةً أخرى!!

إنها تحتاج لقوة ذات اتجاه معاكس لقوة الجاذبية الأرضية تدفع بها رغمًا عنها.. إعصار يقتلع جذورها الأرضية الواهية، يجتثُ خيمة حياتها المؤقته.. رياح تحملها ورقةَ توت فى يومٍ عاصف لتنتهى بها فى وكر طير جارح، أو وجبة غذاء ثمينة لدودة..

وقد تجد مبتغاها فى عُرض محيطٍ بين أمواج تتلاطمها ثم تُرقدها جثةً هامدة بــ قاعه فى لحدٍ من الشُعب المرجانية،أوتستقر فى قبرٍ مائى هوبطن حوتٍ أوسمكة قرشٍ مفترسة.. المهم أن تذهب لــ اللانهاية أو تصير إلى العدم..

كيف لها كل هذا وهى حبيسة غرفتها ذات الجدران الأربعة..

أزاحت وسادة طويلة كانت تدفن رأسها تحتها كما تدفن النعامة رأسها فى الرمال فراحت كل خصلة من شعرها تتخذ طريقًا عكس الأخرى مع آثارٍ من "الكُحل" الممتزج بـدموعها يرسم خريطة لــ نيل أحزانها فبدت وكأنها لوحة بالقلم الرصاص لــ"أُمنا الغولة".

قامت تطوف أنحاء الغرفة تبحث عن هذه القوة المفقودة..تحسست كل قطعة أثاث مثل كفيفٍ فقد بصره يبحث عن عصاه بينما هى ترى كل شيء تمتد يدها إليه.. إنما فقدت بصيرتها يوم اختارته حبيباً لها..

الدولاب ــ المرآة ــ الكرسى ــ الكومودينوــ الأباجورة ــ الكاسيت آآآآآآآه الكاسيت.. شهقت شهقة طويلة تمنت لوكانت آخر أنفاسها ووضعت يدها على فمها وكادت تصيح كما صاح أرشميدس: وجدتها وجدتها.. وبينما اكتشف نيوتن قانون الجاذبية الأرضية.. اكتشفت هى نظرية أخرى عكس قانون الجاذبية.. لقد وجدت ضالتها.. الموسيقى.. الرقص..

إنها تحتاج لرقصة نعم رقصة !! فتحت درج "الكومودينو" وأخذت تقلب فى ميراثٍ رومانسى عبارة شرائط كاسيت قديمة مبعثرة تخص والدها لعلها تجد نوعاً من الموسيقى التى تفى بغرضها..بعضها كان لــ"أم كلثوم" شريكة ذكريات حبها واشتياقها له . أما الباقى لـ"فيروز" ذات الصوت الرخيم والراعى الرسمى لمرحلتى صباها وشبابها الحالمتين..لا..لن يطرب " مودها " لهذه الموسيقى..إنها تريد نوعاً خاصاً صاخباً من الموسيقى....

إنها لا تريد الرقص فى حد ذاته ولا الموسيقى لمجرد السلطنة..فقط ذبذباتٍ قوية تصطدم بجسدها لــ ينتفض دون إرادةٍ منها ويبدأ فى الإقلاع والتحليق ..
لحظات يأسها وجنونها تحتاج لــ " زار " يطرد عن روحها شيطان الحب الرجيم..فليكن زاراً دون طبولٍ ولا نائحات..ستنوح وحدها وترقص وحدها كما اختارته وحدها ..

دقتان تطلقهما ساعة الحائط لتخبرها أن الساعة هى الثانية صباحاً وأن هذا الوقت المتأخر من الليل غير مناسب لأفكارها اللاعقلانية.. تمعن النظر فى عقاربها..إنها تخبرها شيئاً آخر؟..عقرب الثوانى يدور وتدور معه عيناها.. يوحى لها برقصة من نوعٍ مختلف إن أمسكت به ودارت معه..لو أنها تستطيع لــ جمعت عقارب الساعة الثلاثة وتشبثت بها وفى عكس إتجاهها ســ تدور وتدور لتعود بعُمرها للخلف ومن ثم تتخذ القرار الصائب..

أسرعت نحوالباب وأدارت مفتاح غرفتها مرتين لتُحكم سجنها المشدد..قدمان ترتعشان لا تكادان تحملانها تقودانها نحوسجادة حمراء مستديرة تتوسط الحجرة وبخطوات أشبه بخطوات راقصة باليه " باليرينا" بدأت فى الدوران حولها وكأنها حفرة نار متأججة تنتظر من يلقى إليها حطباً لتظل مشتعلة..
ما خطب الدوائر معها اليوم ؟؟
وقفت فى مركز الدائرة أوحفرة النار أوالسجادة الحمراء المستديرة..
بسطت ذراعيها..بدأت فى الدوران حول نفسها من اليسار إلى اليمين عكس إتجاه دوران عقارب الساعة وعكس إتجاه شروق الشمس وعكس نفسها..عكس كل ما يدور على الكرة الأرضية..

بدأت تنورتها الواسعة المزركشة بألوان الطيف فى الإستجابة لحركة البدن فى إنسيابية وانسجامٍ غريبين . لم تعد تشعر بقدميها المرتعشتين..فى مشهدٍ رائع هوقمة المأساة تمتزج ألوان تنورتها بألوان إحباطاتها المتكررة ولفيفها أشبه ما يكون برقصة التنورة غير أن راقص التنورة يحترف رقصته ويعرف فلسفتها جيداً ويدرك أنها مستوحاة من طقس صوفى خالص يستلهم حركته من حركة دوران الأرض حول نفسها..

هذا اللفيف "حسب المعتقد الصوفي" يُدخل العابد فى أجواء روحانية يختص بها وحده مع خالقه تطوقه بحالة من الصفاء النفسي،وعندما يصل الراقص إلى مرحلة خلع تنوراته هويتخلص من كل ما يربطه بالأرض ويبدأ بالإرتقاء والسموالروحى فــ يحيا مناجاة من نوعٍ خاص مع الله..

تزداد سرعة لفيفها حول نفسها شيئاً فــ شيئاً لتصل دون فلسفة لانتشاء روحى لا تعرف له سببًا.. تشعر بأنها تطير فى الهواء.. تعرج للسماء.. ما سر حركة الدوران؟ تدور وتدور حتى تسقط مغشياً عليها لدقائق ولأنها ليست محترفة لرقصة الكرة الأرضية هبطت هبوطًا اضطراريًا تستفيق بعده لتجد نفسها تقيأت كل ما فى معدتها وتقيأت معه حبًا أشقاها زمنًا طويلًا..
الجريدة الرسمية