رئيس التحرير
عصام كامل

المرأة المصرية في عيدها.. البحث عن «مارس» يليق بها


ربما لا يعلم الكثيرون أن الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس كل عام يرجع في الأصل إلى ذكرى أو احتجاج منظم من النساء العاملات في الولايات المتحدة، للمطالبة بحقوقهن في أجر عادل وظروف عمل مرضية، وهو الاحتجاج الذي قوبل بعنف من أصحاب المصنع، أودى بحياة الكثير من العاملات، ليختار بعدها الاتحاد النسائي العالمي هذا اليوم لعقد أولى فعالياته في عام 1945.


ووفقًا لهذه الحقائق التاريخية، فإن الاحتفال بيوم المرأة– والذي يمتد للشهر بكامله ليصبح شهر مارس شهرًا للمرأة – يرتبط ارتباطًا وثيقًا بحق النساء في العمل والمشاركة في الإنتاج، وحصد ثمار التنمية والانخراط في الإدارة والحكم وصنع السياسات، إلا أن واقع الحال فرغ هذه المناسبة من مضمونها "الحقوقي" ومن قيمة "التمكين" الكامنة فيها، لتتحول إلى مجرد احتفالات بأدوار أخرى، أراد البعض حصر المرأة بداخلها ووضع العراقيل أمام تخطيها لما هو أوسع.

في مصر، وعلى إثر ما أعلنه الرئيس عبد الفتاح السيسي من أن 2017 سيكون عامًا للمرأة، كنا نتوقع أن تبادر السلطات المختلفة لترجمة هذا الإعلان إلى إجراءات تتفق والسمة التاريخية لذكرى شهر المرأة، كنا ننتظر أن يفاجئنا البرلمان المصري بتشريع حازم يناهض العنف المادي والمعنوي الذي يحول بيئة العمل إلى جحيم يفترس النساء.

كنا ننتظر من مجلس نوابنا أن يهدي المرأة المصرية في يومها قانون عمل يحترم عاملات المنازل، ويتعامل معهن باعتبارهن جزءًا من منظومة الإنتاج والاقتصاد القومي، كنا ننتظر قانونًا لمناهضة التمييز لوقف الممارسات التي تحاسب المرأة على "جنسها" وتحرمها من تولي المناصب القيادية التي تستحقها.

صحيح أن الرئيس اتخذ أول قرار من نوعه بتعيين المهندسة نادية عبده كأول محافظة في مصر، لكنها تبقى حالة استثنائية في مقابل قاعدة عامة تقصي المرأة من هذا المنصب القيادي المهم، بل وتقصيها مما دونه من مناصب إدارية وتنفيذية عليا في أروقة الجهاز الإداري للدولة، الذي تقل فيه نسبة شاغلات وظيفة مدير عام فأعلى عن 28% من إجمالي شاغلي هذه الوظائف، فضلًا عن استمرار إبعاد المرأة عن التعيين في السلك القضائي من بدايته.

كنا ننتظر من القطاع الخاص أن يهدي المرأة قواعد تنظيمية جديدة تساوي في الأجور والمزايا المالية والاجتماعية بين النساء والرجال، وأن تكون هديته للمرأة في عيدها فتح الأبواب أمام فرص عمل جديدة، تستفيد منها على قدم المساواة مع الذكور.

كنا ننتظر من وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة الزراعة أن تقنن أوضاع ملايين العاملات الزراعيات في الدلتا والصعيد، وتوفر لهن برامج للارتقاء المهني والتدريب الحرفي ومظلة للتأمين الصحي والاجتماعي تناسب ذلك الدور الحيوي الذي تلعبه النساء في هذا القطاع الحيوي، الذي يطعم المصريين ويسهم بنصيب كبير في الناتج القومي الإجمالي.

في شهر المرأة كنا ننتظر من البنوك ومؤسسات التمويل أن تفتح خزائنها للمبادرات النسائية وتخلق طبقة جديدة من رائدات الأعمال، بإجراءات ائتمانية مبسطة وميسرة، بدلًا من تلك الإجراءات العقيمة التي تقف حائلًا بين صاحبات الفكر الاقتصادي الحر والراغبات في إدارة مشروعهن الخاص، من جانب وبين رأس المال اللازم لانطلاقتهن من جانب آخر.

كنا ننتظر من مراكز البحث والتفكير دراسات جادة تحلل الأوضاع الاقتصادية والمهنية للنساء المصريات وتطور إستراتيجيات ورؤى علمية تساعد صاحب القرار على تبني مداخل وسياسات عامة مستجيبة للحقوق الاقتصادية للنساء، ومعززة لحقهن في العمل الذي أقرته الصكوك الدولية ذات الصلة، ونص عليه الدستور المصري كحق وواجب لا تمييز في التمتع به بين ذكر وأنثى.

كنا ننتظر من منظمات المجتمع المدني بشقيها الدفاعي والتنموي حملات ومبادرات فعالة، لتعزيز الحقوق المهنية للنساء، إما بالدعوة وكسب التأييد لإصلاح السياسات، أو بتقديم الدعم الفني والقانوني والتدريب والتأهيل الذي يناسب ظروف النساء المصريات وأوضاعهن المعيشية ومستويات تعليمهن وطبيعة خبراتهن السابقة.

في شهر مارس كنا ننتظر الكثير من الجهد في الاتجاه الصحيح، لكن للأسف لم نجنِ سوى إعادة إنتاج نفس العبارات الإنشائية والوعود الزائفة والطنطنة الفارغة، ولم تجنِ نساء مصر سوى استمرار حالة التهميش الاقتصادي والركود الوظيفي والاستبعاد من حقها المشروع في ظروف عمل لائقة وعادلة.

رغم كل ذلك فالفرصة لم تضع، والمرأة المصرية تستحق أن نبقى أبواب الأمل مفتوحة، فتعالوا لنجعل مارس 2017 البداية، تعالوا نعيد النظر في أولوياتنا وسياساتنا ونحلم "بمارس جديد" للمرأة المصرية.. مارس يليق بها. 

الجريدة الرسمية