رئيس التحرير
عصام كامل

امسك لسانك يا وزير أنت وهو!


ما لا يعرفه عدد لا بأس به من وزراء الهوان التاريخي الحاطط على الوطن منذ ست سنوات، في حكومات تداولتنا وتقلبت علينا، ممن أن يمكن أن يطلق عليهم "وزراء صرف القاع"، إن الشعب المصري بمليوناته الثلاثة والتسعين عاش عصور محمد نجيب وجمال عبد الناصر والسادات وحسني مبارك، وسنسقط مرسي إسقاطًا لأنه مجرد فطر سياسي طفح علينا طفحًا سامًا، كل رئيس من هؤلاء الرؤساء له ماله وعليه ما عليه، إلا مرسي فليس له ماله لدينا، بل عليه وعلى أهله ما عليه وعليه وعليه إلى يوم الدين.. اللعنة والعمالة!


ما علينا منه، أعود وأقول إن فينا من لا يزال يعيش الحقبة الناصرية، لا يغادرها، يتنفسها ويحلم بأمجادها، لا يرى في ناصر إلا الزعامة والانحياز للفقراء وبعث الشعور القومي وإعلاء العزة الوطنية، رغم سجون تحطيم الذات وكبت الحريات، لكن هذا حق كل مفتون عاشق لناصر، لأن الإيجابيات غلبت السلبيات، وذهبت النقائص من التجربة وبقي ذهبها الوهاج، وهو الخير الذي بقي ومكث لينفع الناس، ولعل هذا الولع بالرئيس عبد الناصر هو ما جعل شعب مصر في الثلاثين من يونيو ٢٠١٢، يسقط ملامح ناصر على وجه وأداء السيسي.

وينسى وزراء الغفلة التاريخية في الحكومة الحالية أيضًا أن قطاعًا عظيمًا، يعيش عصر السادات وانتصاراته العسكرية وأمجاده السياسية الخارجية، ويتحسر أن فاته الاغتنام المادي ليصبح مليونيرًا، يغترف من سياسة الانفتاح والسداح مداح، ولقد ذهب السداح والمداح، وذهبت عصبية السادات في أواخر أيامه، وبقيت لحظة اغتياله تؤلم الضمير الوطني المصري، وبقيت أمجاد الانتصار في حرب أكتوبر، وبقيت صورة مصر السلام ومصر السادات ترج وجدان العالم وتأسره، بسبب شجاعة رجل انتصر في الحرب وانتصر في السلام ثم قتله أعداء السلام، ممن خططوا للإطاحة بخلفه حسني مبارك بعد عشرين سنة من حكمه نفذوها في السنة الثلاثين!

ولما جاء الرئيس الأسبق مبارك، كانت البلاد تحت وطأة تداعيات عملية اغتيال رهيبة، جرت على الهواء مباشرة تحت نظر العالم وسمعه، أنذرت الأوضاع بالتردي ونجاح مخطط الإرهاب، وتلت ذلك مواجهة حاسمة للمشكلة الاقتصادية، في أول مؤتمر اقتصادي علمي حضرته الأطياف السياسية والاقتصادية كافة، ولعب فيه الاقتصاديون دور البطولة العلمية، وكان نقطة الانطلاق الصحيحة نحو الإصلاح الاقتصادي.

نجحت خطة الإصلاح بعد فترة طويلة على يد الدكتور عاطف صدقي، الذي قدم للوطن مدرسة كاملة من الوزراء الإصلاحيين فيما بعد، استعان بهم رؤساء وزراء لاحقون من الجنزوري إلى أحمد نظيف لاحقًا، وكان نظيف أكثر دراية وعلمًا وقدرة على توظيف فكر وبراعة هؤلاء الوزراء، لن نذكر أسماء لسببين أن الأسماء معروفة وذكرها لن يزيد البعض إلا ارتكاريا وهرش في الجلد حتى الإدماء، وأن هؤلاء ليسوا بحاجة لمن يذكر أسماءهم لأن العالم الاقتصادي بمؤسساته يذكرهم ويقلدهم مناصبه العليا!

على الجملة يمكن القول إن مبارك له ماله، وعليه ما عليه، ومثل القادة التاريخيين سوف تذهب المثالب وتمكث الأعمال التي نفعت الوطن والناس، وليس من المنطق غض الطرف عن حنين وأسى يضرب قطاعات واسعة من الشعب لأيام وسنوات من اليسر النسبي، عاشوها بلا قفزات في الأسعار ولا جشع تجار ولا عصابات ترتع بالطرقات، ومن الحق أن هناك عصبات من رجال الأعمال رعت واغتنت، واحتمت، تلك حقيقة لا يجوز نكرانها أو حجبها، ومنهم من لا يزال يبيع فضاءه ليخفي عورات الماضي!

مؤدى ما سبق إيراده أعلاه أن فينا ناصر والسادات ومبارك والسيسي، بل فينا أجداد لنا بيننا من لا يزال بهم صور تطوف وتخايل ذاكراتهم من العهد الملكي! ومؤدى ما سبق إيراده أعلاه أن أي وزير لا بد ألا يكون جاهلًا!

لا يكفي أنه فاهم بعض جوانب تخصصه، رغم أن التجربة الحية لوزراء كثيرين برهنت أنهم فرز علمي ثالث! على وزراء ناطحوا الشعب وعاندوه ونالوا من تاريخ قيادات أحبهم هذا الشعب وعاصر معهم أيام حلوة وأيامًا مرة أن يحترموا الذاكرة العاطفية للمصريين، وألا يجترأوا على إصدار أحكام على القادة التاريخيين.

مؤدى الكلام أن اسكت يا وزير الصحة، وأن اسكت يا وزير التعليم، ويا وزير التموين، ويا عم جمعة بتاع الأوقاف. لقد أطبقت على الشعب كل دواعي الانسحاب عن الجهلاء بتاريخه ورجاله، ليحكموا الفراغ ويجربون فيه نظريات الفشل الذريع.
الجريدة الرسمية