لماذا يتهمون وسائل الإعلام الغربية بأنها مسيسة؟
كلما ظهر خبر يخلو من الدقة أو خبر لا يعجب البعض تعالت الأصوات التي تغسل دماغ المواطنين بالقول إن "وسائل الإعلام الغربية مسيسة" وهل توجد وسيلة إعلام على الأرض غير مسيسة؟ غربية كانت أو محلية؟ المقصود هنا بتعبير وسائل الإعلام الغربية المسيسة هى أن وسائل الإعلام لها أجندة أو أهداف خاصة بها.
نعم، وسائل الإعلام الغربية لها أهداف مختلفة عن وسائل الإعلام المصرية، لكن دلوني على وسيلة إعلام مصرية غير مسيسة، قبل الخوض في الحديث عن وسائل الإعلام الغربية المسيسة، دعوني أطرح هذه الأسئلة على من يقرأ هذا المقال من القراء العاديين والمتخصصين: هل التليفزيون الرسمي في مصر غير مسيس؟ ألم يعد هناك خطوط زرقاء وحمراء لوسائل الإعلام الخاصة؟ وألم تتوارى أصوات وتم إسكات محاورين سياسيين وبرامج؟
ألم تخطئ أكبر جريدة في مصر قبل ذلك بنشر تقرير لكاتب أمريكي، ثم عادت واعتذرت وقالت إن المقال مأخوذ من وكالة أنباء الشرق الأوسط؟ ألم تسيس وكالة أنباء الشرق الأوسط التقرير ومن ورائها صحيفة الأهرام؟ الأهرام قالت إنها لم تشك في ترجمة وكالة أنباء الشرق الأوسط، رغم معرفة الجريدة الأكبر في الشرق الأوسط بسياسة الصحيفة الأمريكية التي كتبت التقرير.
ألم يعد المطلوب من وسائل الإعلام المصرية أن تنظر دائمًا للنصف المملوء من الكوب؟
جريدة النيويورك تايمز نشرت تقريرًا عن خروج الناشط السياسي أحمد ماهر بعنوان "كيف أصبح الناشطون المصريين؟ "جيل مسجون" بعد ست سنوات من الربيع العربي، الناشطون السياسيون يعشون في تهديد مستمر بالسجن أو ما هو أسوأ؟ لم أقرأ بعد في الصحف المصرية عن تقرير النيويورك تايمز، ولكني متأكد أن من بعض الأصوات الإعلامية ستتهم الصحيفة بالتسييس لأنها لم تشارك في التهليل للعفو عن الدفعة الثانية من المسجونين السياسيين.
صحيح أن جريدة النيويورك تايمز لا يعجبها التقارب السياسي الأمريكي- المصري، على خلفية انتهاكات مصر لحقوق الإنسان، ولكن من يقرأ جريدة النيويورك تايمز يعرف أنها تهاجم حتى السياسة الداخلية الأمريكية لدونالد ترامب، الخبر الرئيسي للنيويورك تايمز أمس كان ينتقد الفريق الذي يعينه ترامب، حيث جاء التقرير بعنوان: "شرط التعيين في الوظائف الرئيسية بالبيت الأبيض: الولاء وليس الخبرة." التقرير قال إن ترامب عين محاميه الذي لا يمتلك خبرة حكومية أو حتى دبلوماسية – حسب وصف الصحيفة – كمسئول عن المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية، ثم ذكرت الصحيفة مجموعة من فريق ترامب عينهم فقط لولائهم له.
فلنبتعد قليلًا عن الصحيفة الأمريكية الأكثر انتقادًا للأوضاع في مصر، ونطالع إحدى أهم وسائل الإعلام البريطانية، البي بي سي. بعض الأصوات الإعلامية المصرية تتهم الإعلام البريطاني بالتسييس أيضًا وبالمؤامرة على مصر أحيانًا، إذا كانت بريطانيا أو أعلامها يتأمرون على مصر، فلماذا تنشر البي البي سي خبرًا في فبراير الماضي عن "دفء العلاقات المصرية الأمريكية"؟ ولماذا تنشر تقريرًا عن جهود مصر في مكافحة "السحابة السوداء" بل وتركز على مشروع الطالبة المصرية ياسمين مصطفى التي كرمتها وكالة "ناسا"؟
نسيت أن أسأل المشغولين والمهوسين بالتسييس والذين لا يلهثون إلا وراء التهييس الإعلامي هذا السؤال: في عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، الذي اتهمه الكثيرون بالوقوف ضد مصر، كرمت وكالة ناسا الطالبة المصرية ياسمين مصطفى، في حين تجاهلتها الحكومة المصرية، لماذا تكرم مؤسسة أمريكية "طالبة مصرية" وتحتفي بها؟ صحيفة الوطن المصرية قالت في تقرير منشور لها وقتها:
"رغم أزمة الطاقة التي تعاني منها مصر، لم يتصل أي مسئول في الدولة بـ"المخترعة الصغيرة"، ليستفيد من مشروعها، الذي سيسهم في حل تلك الأزمة، وتوفير مصدر لتوليد الطاقة والمياه، وسط مطالبات من شركات أمريكية وألمانية للحصول على براءة اختراع مشروع ياسمين".
لست قلقًا من المشغولين بلغز ومتاهة التسييس الإعلامي، فبعضهم يعرف عن التطبيل والتهليل أكثر ما يعرف عن الإعلام، المشكلة فيمن درس الإعلام وقرأ مدارسه ودراسته النقدية، وقرأ عن علوم السياسة والديمقراطية، وعن التحيز والموضوعية، وعن التغطية الخبرية، ثم نسى كل ذلك بفعل السياسية التي يهاجمها تارة ويمدحها تارة، واللي يعيش ياما يشوف.