رئيس التحرير
عصام كامل

أحداث تدمي القلب.. وتخاذل حكومي


بتنا نتلمس الإنجاز كغريق يبحث عن قشة، نتمنى أن نجد تحسنًا حياتيًا نشيد به، حتى لا يقال إننا نتصيد الأخطاء أو إن نظرتنا سوداوية، لكن في كل مرة يصدمنا التخاذل الحكومي أمام أحداث تدمي القلب، يتلقفها التواصل الاجتماعي والإعلام العالمي، وتصبح معها مصر أسوأ بلدان العالم.


قبل يومين ضج "السوشيال ميديا" والفضائيات بتقرير مصور نشره موقع "اليوم السابع" عن الطفل عبد الرحمن الذي يعيش مع الكلاب في شوارع وسط البلد، ويحلم ليس بحياة كريمة، بل أحلامه أبسط من البساطة، تتلخص في شهادة ميلاد، وأن يعيش في غرفة واحدة مع شقيقه بها سرير ودولاب، ثم أن يصبح رسامًا عندما يكبر!!.

مأساة عبد الرحمن الذي طرده والده هو وشقيقه الأصغر ليعيشا في الشارع، وجدت تفاعلًا وحنوًا ممن تابعه، وعرض البعض تبنيه أو التكفل بإعاشته، حتى بادرت وزيرة التضامن الاجتماعي د.غادة والي بتوفير الرعاية الكاملة له، ووجهت فريقًا من الوزارة لإحضاره من الشارع وضمه إلى دور "أطفال بلا مأوى".. سرعة استجابة الوزيرة تستحق الشكر، لكن لا بد من العثور على شقيقه الصغير قبل أن ينحرف ويتحول إلى مجرم كما يجب معاقبة والدهما، الذي تخلص منهما إرضاءً لزوجته.

"أطفال الشوارع" عددهم بالآلاف في جميع المحافظات، وراء كل منهم قصة مؤلمة يحتاج من يحنو عليه ويوفر له حياة كريمة، حتى يعيش الحد الأدنى للطفولة، وهذا واجب الدولة التي عليها توجيه جيش موظفيها لحل مشكلات الشعب بدلًا من إضاعة وقت العمل في أمور لا فائدة منها!

حادثة "سارق قطعة الشوكولاتة" تندر عليها الإعلام الغربي وتناولها من زوايا عدة، فيما اختلف بشأنها الإعلام والتواصل الاجتماعي في مصر.. نعرف أن الجريمة واحدة، ومن سرق أبسط الأشياء يمكنه سرقة أكبرها، لكن نظرة إنسانية إلى الحادثة تجعلنا نشفق على الأب ونتعاطف معه، فهو حاول إسعاد ابنه المحروم الذي ألح في طلب الشوكولاتة، وأمام ضيق ذات اليد لأنه عاطل عن العمل، اضطر لسرقة قطعة واحدة فضبطته كاميرا المتجر.. الشاب أقسم في النيابة أنها المرة الأولى التي يفعل فيها ذلك لإحساسه بالعجز أمام ابنه، فأخلي سبيله بانتظار المحاكمة.

كان يمكن إنهاء القضية بدفع ثمن قطعة الشوكولاتة وتنازل صاحب المتجر، حتى لا يضيع مستقبل الشاب، لكن مع تحويلها إلى قضية تطوع محامون للدفاع عن الأب، وطلبت مصريات معرفة عنوانه لإرسال كميات من الشوكولاتة له ولابنه، وطلب البعض الآخر اسم صاحب المتجر لإقناعه بالتنازل وسداد قيمة أضعاف قطعة الشوكولاتة.. كالعادة تحرك الشعب وسعى للحل كي لا يضيع مستقبل أسرة، فيما الحكومة "غائبة لا تحرك ساكنًا"، وإن أردنا الحق فالمسئولية تتحملها السلطة التنفيذية، لأن في مقدمة مهامها توفير فرص العمل وخفض معدل البطالة وتحسين مستوى المعيشة، لكن حكومة شريف إسماعيل تطبق القانون على "قطعة شوكولاتة" وتترك سراق المال العام وناهبي المليارات دون مساءلة!!

حدث ثالث كان يجب على الحكومة أن تخجل من نفسها بسببه، وهو حالة إيمان عبد العاطي التي تزن نصف طن وتعتبر "الأسمن في العالم"، ظلت طريحة الفراش سنوات طوال، وسط تخاذل حكومي، حتى برق أمل العلاج في الهند، وطبعًا استثمر الهنود الحالة إعلاميًا ونشروا تقارير يومية عن تطوراتها، وفي غضون أسابيع معدودة فقدت 120 كيلو من وزنها وبدأت تحريك أطرافها ورأسها، وشاهد العالم كله اللقطات المصورة التي تعرضها مستشفى "سيفي" بمدينة "مومباي"، وعند وصولها لهذا الوزن قرر الأطباء إجراء جراحة تقليص حجم المعدة، وبإحداث فتحات في البطن وإدخال المنظار مع المعدات الجراحية تمكن الطبيب من إزالة 75% من حجم المعدة، وبالتالي يقل معدل استهلاك إيمان للطعام إلى الربع تقريبًا، ومع نجاح الجراحة نشر المستشفى فيديو ترقص فيه المريضة بتحريك رأسها وكتفيها وأطرافها ابتهاجًا على أنغام أغنية مصرية، وقال الطبيب إنها ستعود إلى الهند العام المقبل لإجراء جراحة ثانية، على أن تتبع نظامًا غذائيًا صارمًا يسهم في خفض المزيد من الوزن، في ظل بحثه عن سبب الاضطراب الجيني الذي أوصل وزنها إلى نصف طن.
ثقة أطباء الهند من علاج إيمان وبساطة الجراحة تجعلنا نتحسر على الطب في مصر، ونحزن قبلها على وجود حكومة متخاذلة تأخذ البلد والشعب إلى الهاوية.
الجريدة الرسمية