رئيس التحرير
عصام كامل

«اللودر».. عقل الحكومة


منذ الإعلان عن الكشف الأثرى المهم لتمثال الملك الفرعوني رمسيس الثاني، في منطقة المطرية شرقي العاصمة القاهرة قبل يومين، لم تتوقف التعليقات الساخرة من طريقة رفع التمثال بجرافة، مما تسبب في كسر التمثال حسب رواية رواد مواقع التواصل الاجتماعى، الذين تحولوا خلال ساعات قليلة لخبراء في الآثار وتاريخ الأسر الفرعونية مع العلم أن غالبية المصريين لا يعرف الفرق بين رأس نفرتيتى والملك توت عنخ آمون، ولكنها ليست جديدة على المصريين، فكما هم خبراء في كرة القدم لا يوجد أي مانع أن يصبحوا خبراء في أي شيء يفرض نفسه على الساحة..


فلا يوجد أسهل من الكلام والهرى، فالحكومة نفسها لا تتوقف عن الكلام والتصريحات ولم يحاسبها أحد.. حالة الجدل الكبرى التي فرضت نفسها على وسائل الإعلام بين مؤيد ومعارض لطريقة رفع التمثال من حفرة مليئة عن آخرها بمياه الصرف الصحى والمياه الجوفية، والانزعاج الشديد من استغلال هذه المشاهد ضد السياحة في مصر والترويج أننا لا تحترم الآثار.. بالغ البعض في التعامل معها، وأن هذا المشهد وحده سوف يسيء إلى مصر كثيرًا، مع العلم أنه لو تم فتح عدسة الكاميرا نفسها التي أخذت لقطة تمثال رمسيس الثانى وهو عائم في مياه الصرف الصحى لوجدت حال الأحياء لا يختلف كثيرًا عن جلالة الملك..

فأكوام القمامة تحيط بالجميع ويتجاوز ارتفاعها ارتفاع تمثال رمسيس الثانى نفسه، الفرق الوحيد أن الملك الراحل لا يشعر بما يدور حوله أما الأحياء فهم يملأون عيونهم يوميًا بأكوام القمامة ورائحة مياه الصرف الصحى، وهذه المشاهد وحدها كفيلة بالإساءة إلى وطن كامل وليس الآثار وحدها.

الطريقة التي تعاملت بها وزارة الآثار مع التمثال واستخراجه عن طريق "لودر"، هي نفس الطريقة التي تتعامل بها الحكومة مع المواطنين في كل شيء ومع الخدمات التي تقدمها إلى المواطنين في الصحة والتعليم والاستثمار والصناعة والزراعة والتموين، فهذا هو المتاح، وهذا ما نستطيع تقديمه للمواطن..

"اللودر" هو عقل الحكومة الذي تفكر فيه فهذه الآلة العبقرية هي أداة الحكومة في التنفيذ -في الهدم والبناء- فاللودر الذي يعمل في تجميل الميادين والشوارع ورصفها وتجميلها هو الذي يهدمها بعد فترة قصيرة بحجة دخول المرافق، مع العلم أن اللودر الذي قام بالهدم هو نفسه الذي قام بالبناء، فليس المهم الآلة ولكن المهم من يقوم بتشغيل هذه الآلة، كثيرون يعتقدون خطأ أن الحكومة تقوم بالتخطيط للمستقبل ودراسة جميع قراراتها، ولو كانت هذه حقيقية لما تراجعت الحكومة عن قراراتها بعد ساعات قليلة من إصدارها.

الحكومة مثلها مثل المواطن لا تعرف ما الذي سيحدث غدًا، كله في علم الغيب.. أتمنى من المتباكين على رأس تمثال رمسيس الثانى أن يستمر غضبهم على حال آثار مصر المنهوبة والعائمة في المياه الجوفية بطول مصر وعرضها وأن يكون هذا بداية اهتمام حقيقى بالآثار والمناطق الأثرية التي تركتها الحكومة مأوى للكلاب وأكوام القمامة.
الجريدة الرسمية