الجامعات المصرية بين الكم والكيف
قد تحدثت في سلسلة من مقالات سابقة عن إصلاح وتغيير منظومة التعليم، وكتبت عن أن إصلاح منظومة التعليم يجب أن يرتبط بثقافة تغيير المجتمع لبعض المفاهيم الخاطئة الراسخة في الأذهان ولا سيما في إشكالية إعادة منظومة التعليم الفنى، وطرحت أيضًا عناصر العملية التعليمية للتعليم ما قبل الجامعى وكيفية إصلاح كل عنصر من عناصرها.
وفى مقالي هذا أطرح قضية الحق في التعليم الجامعى، أن يكون تعليم للطلاب يُمكنهم من الالتحاق بسوق العمل في مختلف الميادين سواء كانت اقتصادية أو تنموية أو تجارية على سبيل المثال لا الحصر، وهذا ما ينبغى أن يكون؛ أن يتخرج الطالب من الجامعة وأن يحمل في يده شهادة البكالوريس أو الليسانس وفى اليد الأخرى خريطة طريق للعمل في ميدان تخصصه الذي درسه في الجامعة، هذه الرؤية هي التي يصبو المجتمع إليها، ولكن ما هو كائن الآن بعيد كل البعد عما ينبغى أن يكون، فكل نوع من أنواع التعليم على اختلاف مراحله يجب أن يكون له أغراضه وأهدافه العملية المحددة، وليس الموضوع أهداف نظرية فقط، فكل مرحلة لا بد أن تؤدى غرضًا واضحًا وكل تخصص وكل كلية لا بد أن تؤدي غرضا واضحًا ومحددًا ومرسومًا بدقة لخدمة الخريج وخدمة المجتمع؛ ومن ثم ارتقائه، والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا نجد الآن في معظم الكليات الموجودة بالجامعات المصرية؟ أي التعليم الذي يتم في الجامعات المصرية؟
التعليم بصورته الراسخة الآن لا يحقق الهدف منه فمعظم التخصصات ليس لها علاقة بسوق العمل، ويبدأ الطالب بعد البكالوريس رحلة النضال لاكتساب مهارات وتنمية ورفع كفاءة اللغات عنده كى يستطيع الالتحاق بوظيفة في أي تخصص وكأن مرحلة ما قبل الليسانس أو التخرج لم تكن.
وسوف يظل المنهج في التعليم هكذا إلا إذا تخلت الجامعات المصرية عن الكم، واهتمت بالكيف والنظر في دقة موضوعية المادة العلمية التي تُدرّس وأن تتضمن المادة العلمية قسطا وافرا من الثقافة يجعل أبناءنا خريجي أنصاف مثقفين وليسوا جهلاء.
إن إصلاح بعض من سلبيات الجامعات هو التخلى عن الكم والتخلي عن أن يُدرس للطالب في السنة من 12 إلى 14 مادة، ويجب أن تتضمن المناهج استراتيجية كيفية لرفع كفاءة الطالب كى يحصل على مهارات تمكنه من العمل وبناء مستقبله، هذا عن عملية الكم في المناهج، وأتطرق إلى عنصر آخر هام ألا وهو المؤتمرات والندوات العلمية التي تتم في الجامعات، وهى في الحقيقة تضم خيرة باحثي مصر وفيهم كفاءات عالمية ويقدمون أبحاثا بحق تساهم في بناء المجتمع، ولكن الإشكالية هنا مثل إشكالية الغناء في قاعة مغلقة لا يسمعه أحد من الخارج فالقاعة تظل قاعة مغلقة على عدد من الباحثين المتميزين والخارج يظل خارجا لا يعلم شيئا عما يدور داخل القاعة.
سنوات وسنوات ماضية على هذا المنهج، والغريب أن من يتقلد منصب وزير التعليم العالى هو أستاذ جامعى، ويعلم كل هذه المشكلات ولا يتقدم نحو حلها فيجب ما يقدم من أبحاث أن يخرج إلى المجتمع بصورة واقعية ومتقدمة، يجب على الوزير الحالى- وزير التعليم العالى - أن ينظر بجدية إلى الاهتمام بالمنظومة بدءًا من الأستاذ الجامعى الذي يعانى من ضعف مرتبه ومع ذلك ينحت في الصخر لتكملة أبحاثه، ووقوفًا عند الطالب وما يُقدم له من مادة علمية تشتمل على العلم والثقافة والتطبيق الواقعى بل والأخلاق، ثم الالتفات إلى التقنية العلمية وأماكن المحاضرات في الجامعات وهل تتماشى مع التقدم؟ أم هي قاعات مثل القاعات التي كان يتعلم فيها الطلاب في الستينيات، أي منذ أكثر من خمسين عامًا..
بل لا بد أن تلتفت سيادة الوزير إلى التطوير الكامل والإصلاح المنهجى ولا تكون كغيرك من السابقين محلك سر. نحتاج إصلاح يتجه نحو الكيف ويلغى الكم الذي جهّل العقول والأذهان، التفت سيادة الوزير إلى العنصر البشرى الأستاذ والطالب ولا تتجه إلى المؤتمرات والندوات البراقة بل عليك التطوير الفعلى المنهجى الكيفى.. فالتعليم هو الركيزة الأولى لبناء المجتمع وإن لم ننظر إلى هذا البناء لن نتقدم.