رئيس التحرير
عصام كامل

دفتر الإنجازات


باع "صبحي" أثاث منزله بالكامل لسداد ديونه لدى "البقال" ولكنه تمسك بالتليفزيون ورفض بيعه وعندما سألناه عن السبب أخبرنا بأنه قد يستطيع الحياة بدون أثاث أو أكل أو دواء لكنه لا يستطيع أبدًا الاستغناء عن سماع الإنجازات، حيث أوضح لنا إنه يسجل كل المشروعات الكبيرة والقرارات التاريخية التي تعلن عنها البرامج التليفزيونية ويكتبها في "دفتر" ضخم ليقوم بقراءته كلما شعر بالجوع.


وقد حاولنا الاستفادة من تجربته لتوجيه النصح للشباب، فأكد لنا أن فتح "بيت" للزواج أصبح أمرًا صعبًا بسبب ارتفاع الأسعار لذا يقترح على الشباب الاكتفاء حاليًا بفتح "تونة" للعشاء، خاصة وأن سرعة انتهاء المرتب أكبر من سرعة الصوت وتحديدًا صوت الدائنين.

وبينما نتجاذب أطراف الحديث -ملتفين حول التليفزيون- رن جرس الباب ودخل رجل دين أرسلته الجهات المعنية ليزور "صبحي" بعدما علموا بمرضه وضائقته المادية.. وبمجرد وصوله أخبرنا أن الشر من أنفسنا لذا نصحنا ألا نهتم بشراء العلاج بل يكفي أن نتحلى بالصبر والإيمان حتى ننال الشفاء ثم قال إنه مضطر لمغادرتنا سريعًا لأنه متوجه للمطار في رحلة علاج خارجية على نفقة الدولة.

تركنا رجل الدين بينما انهمك صديقنا مدرس اللغة العربية في تصحيح كراسات تلاميذه قبل أن يخبرنا أن قواعد اللغة في العربي ترفع الفاعل بينما قواعد اللعبة في الإعلام قد ترفع من لا يستحق على الأكتاف ثم صرخ قائلًا (أب فقير لا يعمل.. لديه تسعة أطفال، وحتى يستطيع الصرف عليهم يقترض من الجيران حتى أصبح منزله مديونًا للعمارة بأكملها، وبعد سنوات سوف يكبر الأطفال ويديرون المنزل بأنفسهم ليكتشفوا أن الديون تحاصرهم) استخرج من القطعة أبناء مفعول بهم، وفعل يدمر مستقبلهم، وفاعل مبني للمجهول أو يقودنا نحو المجهول.

لم أستطع أن أجيب على سؤاله لكنني أوضحت له أنني أعطيت حصتي من الخبز لزوجتي بمناسبة يوم المرأة العالمي كما أنني سوف أذهب بدلًا منها لمولد السيدة "نفسية" للدعاء على بعض المسئولين.

أخبرنا "صبحي" بأنه بحث عن دواء يلزمه في العديد من الصيدليات طوال الشهور الماضية وعندما لم يجده قرر التداوي بالأعشاب بينما نصحناه أن يطبع ورقة باسم وصورة الدواء ويكتب إنه (مفقود) ويعلقها في الشوارع ومحطات المترو على أمل أن تعود الأدوية إلى رفوف الصيدليات.

كانت الكهرباء قد انقطعت وبدأنا نشعر بالجوع والبرد، فحرقنا "دفتر" الإنجازات للتدفئة بينما حمل "صبحي" التليفزيون ليبيعه ويحضر الطعام.
الجريدة الرسمية