المتلاعبون بالعقول!
صدق الحاخام راشورون عندما قال لأصدقائه اليهود في 1869 إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم فينبغى أن تكون الصحافة قوتنا الثانية، وهذا القول يؤكد التأثير الفعال لوسائل الإعلام في عقول المواطنين فكما قال الكاتب الأمريكي هربرت شيللر في كتابه "المتلاعبون بالعقول": من يسيطر على وسائل الإعلام يسيطر على العقول.
ولو تفحصت عزيزى القارئ إعلامنا المصرى لوجدت عجب العجاب، فهو الذي صنع من يوم ميلاد مبارك يوما لميلاد مصر، ثم انقلب عليه بين ثورة وضحاها ليصبح سفاح العص،ر إلى أن عاد يبرهن على قوته وشجاعته، وفى كل مرة نبصم له بالعشرة بأنه كذلك، وهو أيضا الإعلام الذي تحدث عن الشعب المصري بوصفه شعبا عظيما وواعيا ومدركا لكل ما يجري حوله فقام بثورة عظيمة هي ثورة يناير؛ ثم عاد ليؤكد أنها ثورة مشكوك في صحتها، وهو الذي صنع من الدكتور البرادعي ملهما ومفجرا للثورة، ثم صوره خائنا وعميلا، وهو الإعلام الذي ينادي بمحاكمات عادلة، ولكنه في نفس الوقت يصدر أحكاما مسبقة بالإعدام.
لقد أصبح التضليل الإعلامي اليوم صناعة ثقيلة، تنفق فيها الدول مليارات الدولارات، من أجل السيطرة على الشعوب والأمم الأخرى، واحتلالها دون أن تتكلف تحريك أساطيل، أو خوض معارك جيوش، ففي أوائل تسعينيات القرن الماضي، أشيع بأن العراق تحت قيادة صدام حسين يمتلك سلاحًا نوويًا يهدد به العالم، وصدق العالم ذلك مما مهّد لحملة عسكرية واسعة النطاق، احتلت العراق، ذلك أن التضليل الإعلامي يمثل إحدى أدوات القوة الناعمة لأمة على أمة، من خلال رؤوس أموال جمة يتم إنفاقها على هذه الصناعة، في إعداد جيوش من الإعلاميين الماهرين في التضليل، الجاهزين لترديد الأكاذيب والأباطيل، مقابل ماينفق عليهم من رواتب باهظة، وتكاليف معيشية مرفهة.
وثق يا صديقى المرهق نفسه أمام التلفاز أن مضارَّ التضليل الإعلامي لا تضاهى أي مضار أخرى على الوطن بأكمله، ولا تعود عواقبه الوخيمة على فئة أو أشخاص بذواتهم، وإنما تعود على الشعب كله، فتنذر بالهلاك، وتهدد سفينة المجتمع، وتكرس الخصام المجتمعي، وتمهد التربة للحرب الأهلية، وتكون مقدمة للاحتلال الأجنبي، لأن الإعلام المُضلل يهدم الثوابت مثلما يحدث من تشكيك في السنة النبوية وتجرؤ على صحيح البخارى، ويفرق "المتوحد" بتقسيم المجتمع إلى ليبرالى وعلمانى وسلفى وإخوانى وثورجى ووطنى، وأخشى أن نصل إلى مرحلة الإعلام الذي يرهق الشعب ببرامج تهدم ولا تبني، فيكون شغلنا الشاغل متابعة مسابقات الرقص والأغانى، وتجعل المواطن البسيط يصل إلى مرحلة الشك في نفسه، فيرى الثعبان الذي يلتهم سمكة بأنه ثعبان شجاع ينقذها من الغرق.