رئيس التحرير
عصام كامل

الجنازة حارة والميت كرة قدم!!


كرة القدم في مصر تذكرني بالمثل الشعبي "الجنازة حارة والميت كلب"، لا أعرف سببا منطقيا لكل هذه الضجة والمشكلات والسباب والشتائم على الهواء مباشرة، يسمعها أطفالنا والعالم من حولنا، وكأن عندنا كرة قدم تستحق هذه المشاجرات والأموال التي تنفقها، والكم الهائل من البرامج والقنوات الرياضية، والساعات الطويلة من البث قبل وأثناء وبعد المباريات، والأجور الخيالية للإعلاميين واللاعبين والمدربين..


كرة القدم عندنا بلا طعم ولا رائحة ولا لون ولا جمهور ولا لاعبين ولا ملاعب ولا تمثيل مشرف، بل واسطة ومحسوبية وإخفاقات في المحافل الدولية، وآخرها بطولة العالم للشباب، ومع ذلك الدنيا كلها صخب وضجيج ومانشيتات صحفية هنا وهناك، وكأن العاملين في المجال الرياضي لا يعلمون أن الناس سئمت منهم، وانصرفت عنهم بسبب ظروفهم الاقتصادية أولا، ثم بمتابعة الدوريات الأوروبية ثانيا، والتي استحوذت على اهتمام المواطنين حتى في القرى والنجوع، ليس فقط لتوافر كل أسباب المتعة والإثارة والتشويق فهي كرة قدم حقيقية، ولكن لأنها أيضا صناعة واستثمار وإتقان وعلم ومتعة ونزهة وتعبير صادق عن الرقي والتحضر الذي وصلت إليه هذه المجتمعات، ونتعلم منها ثقافة الهزيمة والاحتراف والاحترام والعمل الجماعي، وبيننا وبين هذه المعاني مشوار طويل..

حينما يتحدث الأجانب فالمدرب المهزوم يعترف بمسئوليته عن الهزيمة، واللاعب الفائز ينكر نفسه ويسند الفضل إلى كل أعضاء الفريق، والمخطئ يعترف ولا يلقي بأسباب فشله على الآخرين، وكثيرا ما تحدث أخطاء تحكيمية كارثية ولا نسمع ضجيجا وشتائم وفضائح، بل يعتبرون الأخطاء من متعة كرة القدم، هم قدوة حسنة لأبنائهم ومسئولونا قدوة سيئة، الأندية الأوروبية قطاع خاص تنفق المليارات وتربح أضعافها، ولها دور اجتماعي ومساهمات خيرية، الأندية المصرية حكومية عالة على البلد، وليس لها دور اجتماعي، ولم تفكر حتى في إنتاج الأدوات الرياضية التي تستخدمها بدلا من استيرادها..

الشهرة والملايين التي يتقاضاها اللاعبون أصابت الأسر المصرية بالجنون، وأصبحت ترى مستقبل أبنائها في كرة القدم وليس التعليم، ومدارس الكرة أصبحت أكثر انضباطا وإشغالا من مدارس التربية والتعليم، والبرامج الرياضية أكثر من البرامج التعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والاقتصادية، وهذا مؤشر خطير على مستقبل البلاد، الرياضة مهمة ولكنها بالشكل الذي يحدث عندنا هي فساد وإهدار للمال العام وانهيار للقيم والأخلاق، واللهم احفظ مصر
Egypt1967@yahoo.com
الجريدة الرسمية