رئيس التحرير
عصام كامل

اليوم العالمي لأمي وأمك وأمهات آخر زمن !


يحتفل رجال العالم في اليوم الثامن من شهر مارس سنويًا، باليوم الذي أجبرت فيه آلاف النساء العاملات في مدينة نيويورك السياسيين وأصحاب المصانع على تحسين ظروف الإنتاج ووقف تشغيل الأطفال وتقليل ساعات العمل والمساواة في الأجور، ومنحهن حق التصويت.. كان ذلك في عام ١٩٠٨، ولقد خرجن حاملات قطع الخبز والزهور، دلالة على سلمية التظاهرة، وتجنبًا لمسيرة مماثلة لنساء نيويورك العاملات، طالبن فيها بالمطالب ذاتها، فأطبق عليهن البوليس ضربًا وتنكيلا وكان ذلك في عام ١٨٥٦.


ونحن اليوم في السنة السابعة عشرة من عام ٢٠٠٠، والمرأة حصلت على حقوق كثيرة، تستحقها بكل تأكيد، سواء في مصر أو في بقاع كثيرة من العالم، لكن لابد أن نتريث قليلا ونحن نقدم لهن باقة ورد وخبز نحن الرجال: يا سيدات مطلع القرن الواحد والعشرين، الأمهات المصريات بالذات، هل أنتن حقا أمهات ؟!

لا أستنكر أمومة أي سيدة أنجبت، فكلكن ما شاء الله خصبات ولاّدات متدفقات متتابعات الخلفة، ورجالكن متفرغون للشكوى والتخصيب، لكن هل حقا قدمتن للوطن جيلا كالذي قدمته أمهاتكن وجداتكن ؟!

هل قدمتن لمصر توفيق حكيم آخر أو يوسف إدريس أو نجيب محفوظ أو يوسف وهبي أو أم كلثوم أو زكي نجيب محمود أو العقاد أو عبد الوهاب، أو نماذج مشرفة أخرى ؟!

كانت أمهات وجدات الأمهات الحاليات محرومات من التعليم في المدارس، وربما حصلت بعضهن على فرصة للتعليم حتى الابتدائية، ومع الأيام والمجانية وثورة يوليو، حصلت أمهات على الشهادات العليا، وهن مع قدر من الحسرة يسير، من ربين وقدمن للمجتمع جيل الأمهات الحاليات !

لا أقصد تبكيت ولا زجرًا ولا معايرة، بل أقصد تشخيصًا وتنبيهًا، وهو تنبيه إلى أن الأم المصرية الحالية تنجب ولا تربي.. تلك هي الحقيقة العارية الموجعة، وهي ترجنى رجًا، قبل أن تؤلم أمهات يحسبن أن شق البطن هو الثمن الأخير النهائي لحمل لقب أم.. يبدو حقًا أن استسهال شق البطن وشد الطفل ووضعه في حضانة ثم جلبه إلى ذراعي أمه، ثم تهرب أمه من إرضاعه طبيعيًا إلى ألبان مستوردة، للحفاظ على استدارة ومتانة السيد الثدي الناهد، كلها عوامل خصمت من شعورين متتابعين: شعور الحامل بأنها أم، وشعور المولود بأنه ابن !

كانت أمي وأمك تفخر زمان بأن أحدنا راضع من ثدييها، حليب الأم هو حنانها الذي ينزل في شرايينك حنانا وحبا وولاء للأم التي ولدتك وللبطن الكبيرة حاملة كل المواطنين، مصر.

ومن الحق، بل الواجب الاعتراف بأن السيدات اليوم يعملن ويتعبن في الشغل وفي البيت، ويساعدن في المعايش، ويتوزعن بين طلبات الزوج وزن الأولاد، لكن المربي الحقيقي الخفي موجود الآن في البيوت المصرية.. إنه الكمبيوتر، وإنه الموبايل، وإنه النت، وإنها الكاميرا وإنه السحر الموصول بعوالم مفتوحة بلا حدود، عوالم تجنيد وتحريض وإغواء باللحاق بكتائب التطرف، وعوالم الإباحية وأطيافها.

يغلق الأولاد والبنات أبواب الغرف، ويسهرون، للفجر، وربما تفقدت الأم ما يجري أو الأب يعمل غارة، لكن الملل والمسايرة يجعلان المتابعة أشبه بعلقة تنال من روح وجسد الأبوين.

الأم هي أيضًا مشغولة في الرغي، على الخاص وعلى العام في فيس بوك والواتس، والأب أيضًا منغمس بالذات على الخاص والعام، ولو اجتمعت العائلة كلها على جاموسة مشبوحة فوق السفرة، لدفنوا وجوههم في شاشات الموبايلات وتركوا الذبيحة تصرخ أن كلوني كلوني مللت الانتظار والإهمال يا غجر القرن الواحد والعشرين.

نحن نحتفل بأمهات لا يحملن من قدر الأمومة إلا الاسم والنذر اليسير، وبصراحة مطلقة فإن أمى يرحمها الله ألف رحمة، وبالقياس لأمهات حاليات كانت وستبقى الأعظم حنانًا وعطاء ووطنية.. لماذا في الجيل الحاضر شباب أمه أمريكا وقطر وإسرائيل وتركيا؟ لأن أمه المصرية ولدته ورمته ولم تربه على الوطنية.. لأنها مش فاضية! تلك هي المصيبة!
الجريدة الرسمية