يا ثورجية آه يا لالالى!
ما زلت مؤمنًا بأن ثورة يناير أحد الأعمال الجليلة للشعب المصرى، لكنها-كعادة نجاحاتنا- تحوَّلت من نعمة إلى نقمة، والسبب تلك الطبقة العفنة التي طفت على سطحها، فطغت عليه، أزالت كُل رائحة طيبة، أو مظهر حسن للثورة، وابتلعته في جوفها، واستبدلت به قرفا غير محدود، يجعل البعض يقشعر من سيرة الثورة، بعد أن غطت الصورة السيئة- رغم حجمها الضئيل بالنسبة للجيدة- على المشهد تمامًا، بالضبط كإطلاق أحدهم لريح نتنة بالعمد أثناء جلوسه مع أربعة نضاف مُتعطرين مثلًا، وهو وقت تهزم فيه الأقلية الأغلبية وتسحقها سحقًا إلى حين، ما بالك وهم مصرون على مواصلة الإطلاق حتى اليوم؟!
مُشكلة ثورة يناير كانت في الثوار، هؤلاء الذين احترفوا التثور، وأصيبوا بحالة تثور لا إرادى، يتثور الواحد منهم في التليفزيون والإذاعة والصحافة، مثلما يتثور في الشارع أو الحمام، هؤلاء مَن أدمنوا التسلُط، وفرض وصايتهم على شعب مسكين، كان هو صاحب الثورة الأصلى والوحيد، لا هُم، مُشكلة الشعب أنه لم يظهر في الفضائيات، وتتحوَّل ملايينه الكادحة -الثائرة بحق- إلى نجوم يلهث خلفها الإعلام، ويطاردها ويعرض عليها مالًا وشهرة ونفوذًا ووظائف، لا يتعب فيها المرء إلا أثناء محاولته عَد إيرادته الشهرية البالغة ملايين، مُشكلة الشعب أنه ظل شعبًا، ولم يتطوَّر ليكون ناشطًا سياسيًا يلعب بالبيضة والحجر، فتغلب البيضة الحجر، فيضيع، ولا يتبقى إلا البيض الذي لا يزال يطل علينا من الفضائيات إلى اليوم تحت اسم رثاء الثورة والبكاء على أطلالها!
في أي فُرصة -أو بدون- تجدهم ناطين في وشَّك، نفس التسلُط والعنجهية والعجرفة والغرور والسخافة والمزايدات، يعبدون الثورات لا عن إيمان بضرورتها وقدرتها على إصلاح ما أفسدته ثورة يناير، بعدما كانت في الأصل وسيلة للإصلاح، لكن عن رغبة عارمة في إعادة البلاد لنفس الملعب الذي لا يجيدون إلا فيه، تلاقى واحد من حزب البوب اللى سابه وهرب مُكتفيًا بمواصلة دوره النضالى من على الآيباد، وهو قاعد في الريسبشن أو الحمام، وهو حزب أقلية لا يزيد عدد المُنتمين إليه عن اتنين تلاتة، يتصيدا أو يتصيدون فرص الخروج في التليفزيون، لإعادة أسطوانات مشروخة زهقنا منها ومنهم!
يخرج مع (وائل الإبراشى) ليصرخ -كما جرى هذا الأسبوع- أن الثورة اتقتلت، نحروا الثورة، ظلموا البنية يا عينى، وأن نظام (مبارك) رجع وبيرجع وهيرجع على طول بسبب البراءة، نفس الآراء التي لا تعمل إلا عن طريق لىّ عنق الحقيقة المظلوم، القضاء يحكُم بما يرضيهم، يحملونه لعنان السماء، ويحتفظون بالأحكام كأنها آيات مُقدسة مُنزلة، القضاء يحكم بما ليس على هواهم، يصير فاسدًا لا تستحق أحكامه-اللى منها ما هو مُقدَّس مُنزَّل-إلا مسح الأحذية به!
نفس المُزايدات بالتباكى على الثورة، والحديث عن القمع، والفساد، والديكتاتورية، وأرجوك تركّز أوى على الديكتاتورية، واحد سايب دقنه منبتة من أسبوعين تلاتة استعدادًا للحلقة، قعد يعصُر في عينيه وهو مانامش قبلها بـ48 ساعة ليبدو مهمومًا بحال الوطن، مُبتئسًا لما آلت إليه الأمور، الواد شايل هم البلد أوى، داير بنفس الأسطوانة لا يغيرها ولا يجوِّد حتى، لو زنقته في أي رُكن ـ كمواطن عادى لا كمُناظر ولا إعلامي ولا مثقف ولا سياسي ـ هينُط في وشَّك زى عفريت العلبة، ويطلَّع لك آخر ما في جرابه قائلًا ـ وسبق وقالها مع مَن على شاكلته : "إحنا اللى خلصناكم من القهر، وإحنا اللى شيلنا (مبارك)"!
شوية معاتيه، يظن كُل واحد منهم أنه ـ مع باقى معاتيهه البالغين مائة أو أكثر شوية ـ هُما اللى عملوا الثورة، وهُما اللى حرروا الناس، وهُما اللى شالوا ده، وجابوا ده، ولازم نسمع كلامهم، ونشرب اللبن لو عاوزينا نشربه، أو نشرب بداله البوب لو هُما برضو عاوزينا نشربه، وهل تنسى الباشا اللى كان بيؤكد لأصحابه إنه-مع كام واحد من زملائه- هيجيب البوب رئيسًا لمصر؟ كدهو على طول من غير لا ديمقراطية، ولا انتخابات، ولا حاجة اسمها نشوف رأى الشعب، ولا بطيخ، مُنتهى الغرور والعنجهية تانى، ناس أعمتها الثورة والفلوس والسلطة، ولعن الله الإعلام الذي تسبب في ذلك بعدما خرَّج لنا الأشكال دى من كل شاشة وإذاعة وموقع وصحيفة، ومن تحت السجاجيد والسراير!
المُهم إن البيه اللى فضل طول الحلقة يؤكد أننا نعيش أسوأ أيام الديكتاتورية التي لم يشهدها العالم في أي حقبة من تاريخه، خاصةً وأن كُل نظام مبارك رجع وبيرجع وهيرجع على طول برضو، جه في الآخر وأثبت إنه لا بيفهم في ثورة، ولا في سياسة، ولا حتى في كلام خالص ينفع يتقال على الهوا ولا على عتبة بيتهم في جلسات السمر النسائية المسائية خلال ليالى الصيف، بعدما قال مقهورًا مزنوقًا في ركن الحلبة ووشه بيشلب دَم "عمومًا 2018 قريبة".. كان الغر الساذج يراهن على انتخابات الرئاسة المُقبلة، بينما هو يؤكد أننا نعيش قهر الديكتاتورية بكُل أشكاله وألوانه!
الغر بيه الناشط السياسي، الذي أقنع المُشاهدين طوال الحلقة التي امتدت من العاشرة مساءً وحتى الحادية عشرة صباحًا أن (مبارك) رجع، وسياساته رجعت، وقهره رجع، والديكتاتورية رجعت وإكسترا سوبر كمان، جاى يراهن على انتخابات الرئاسة في 2018، يعنى بكُل بساطة بيعترف أنه مُجرَّد واحد مقاوح مبيعرفش لا يفكر ولا يتكلم، وهذه هي آفة أرامل الثورة، المُتباكين عليها بعدما أضاعوها من بين إيدينا وأيديهم، رغم استفادتهم الجمة منها ـ العربيات والشقق والسفريات والجوازات والوظايف والمناصب والأرصدة في البنوك عكس ملايين فقدوا أعمالهم بسبب المُزايدات، والسخافات، والشطط الثورى الذي حوَّل سلاحًا كان في المتناول إلى سلاح يضرب في صدر الناس!
حضرته جاى يراهن على إزاحة الرئيس الحالى -معنديش مشكلة مُطلقًا لو هيمشى بانتخابات- في الانتخابات المُقبلة، رغم إنه هو اللى بيؤكد إن مفيش لا ديمقراطية ولا بطيخ، وإن نظام (مبارك) رجع، طيب ما هو لو نظام (مبارك) رجع يبقى مفيش انتخابات يا أمور، أو بالأصح هيبقى فيه انتخابات لكن مستحيل إنت أو غيرك تكسبها، لأنها هاتتزبَّط وتنطبخ حلو- لو كان النظام السابق رجع فعلًا زى ما بتؤكد- مُنتهى التناقض والسذاجة، واحد بيهلفط بأى كلام ميعرفش معناه، وبيحتفظ لنفسه بفرصة الظهور لحد 2018، علشان بعدها يطلع يهرى وينكت برضو، رهانه لا يختلف عن رهان عيِّل صغير عملها على نفسه، وفاكر إنه محدش هيشم ولا هيشوف، فماشى وسط الناس عادى، وبيتنطط على حجرهم كمان!