تساؤل مشروع بعد براءة المخلوع
قطاعات عديدة من الشعب المصري استقبلت بتهكم يشوبه الحسرة خبر صدور حكم نهائي عن محكمة النقض ببراءة الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في قضية قتل المتظاهرين إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير.
حكم اعتبره البعض بمثابة طعنة رمح في كعب أكيليس والذي أجهز على ما تبقى من مكتسبات ثورة يناير والتي اعتبر البعض مثول مبارك خلف قضبان السجون أحد أهم تلك المكتسبات.
ولكن أرى أنه من المنطقي للغاية تبرئة مبارك من تهمة قتل المتظاهرين في الميادين المصرية بعد صدور أحكام نهائية ببراءة وزير داخليته آنذاك حبيب العادلي ومساعديه الست وغيرهم من القيادات الشرطية في قضايا قتل المتظاهرين بالمحاكم المختلفة، فكيف للرجل أن يدان بقتل المتظاهرين، هل حمل السلاح بمفرده وأجهز على خيرة شباب مصر آنذاك ؟
ليس هناك سلطة قضائية تستطيع أن تعفي الرئيس المخلوع سواء كانت سلطة قضائية جنائية أو دستورية أو حتى إدارية من المسئولية عن كثير من الأمور المتعلقة بإدارة شئون البلاد وتنامى الفساد وتزوير إرادة العباد في صناديق الانتخابات، ولكننا أمام حكم قضائي نهائي بات لا يجوز الطعن عليه ليسدل الستار عن محاكمة هي الأهم في تاريخ مصر.
في رأيي أن مبارك أعدم لحظة حمله على سرير متحرك خلف قضبان القفص الحديدى ليمثل أمام القاضي في الثالث من أغسطس عام ألفين وأحد عشر، عندما استيقظ الشعب المصري منذ الصباح الباكر لمتابعة لحظة دخول مبارك قفص الاتهام.
ولكن..
الأهم الآن هو ضرورة الإجابة عن الأسئلة التالية: من قتل متظاهري يناير.. من فتح النار على الشباب الذين خرجوا للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية في الميادين، ومن يتحمل المسئولية السياسية حول مقتلهم؟ أيعقل أن مؤسسات أمنية في دولة بحجم مصر لم تستطع أن تكتشف حتى الآن هوية قاتلي متظاهري يناير ؟
أليس من الأجدى أن يحاكم مبارك بتهمة التقصير في حماية مواطنين إبان تقلده منصب رئيس الجمهورية ؟ أليس من الأولى أن يحاكم حبيب العادلي على تقصير عناصر الداخلية جمعاء في بسط الأمن بربوع الوطن وحماية السجون ؟ أليس من المفترض أن يتم محاسبة القائمين على أجهزة جمع المعلومات إبان ثورة يناير بسبب عجزهم عن كشف هذا المخطط الأسطوري الحلزوني لإسقاط مصر ؟
إذا كانت الأجهزة الأمنية تعلم من قتل المتظاهرين فليخرجوا في مؤتمر صحفي عالمي ويشيروا بأصابع الاتهام إلى الجاني الحقيقي، وفي حال أنهم لم يعلموا ماذا دبر بليل يناير 2011 فعليهم أن يتنحوا عن المشهد ويعترفوا بتقصيرهم، وأخشى ما أخشاه أن تقفل القضية مثلها مثل قضايا كثيرة في التاريخ المصري دون إجابة شافية وافية لتحفظ القضية تحت اسم مجهول.