سحر نصر.. ميلاد جديد!
كان من عادة رئيس التحرير أن يعقد بعض اجتماعات لمجلس تحرير الصحيفة الليبرالية خارج الصحيفة، في مطعم، في نادٍ، في أي موقع غير تقليدي؛ ليخفف من حدة أجواء العمل المملة، سمع أن صديقًا لنا اشترى سيارة جديدة وبالطبع عمت موجة الحقد الدفينة المكان، لمجرد أن واحدًا اشترى سيارة.. عقد النية وترك سيارته، ولم يأتِ بها متعللا أنها معطلة، طلب عدد من الزملاء الذين لاكوا زميلهم بألسنتهم من الزميل صاحب السيارة الجديدة أن يصطحب معه عددا من زملائه، وانقسموا بين عدد من السيارات، وخرجوا إلى أحد المطاعم.. وبدأ الاجتماع بمناقشة سؤال جوهري: لماذا نكره المستثمرين ورجال الأعمال في مصر؟ لماذا نكره الأغنياء؟ لماذا نتصور أن كل رجل أعمال هو في الأساس لص؟ لماذا نعتقد أن كل صاحب سيارة إنما اشتراها من مال حرام؟
ثم وجه سؤاله إلى هؤلاء الذين تناولوا زميلهم بما ليس فيه لمجرد أنه اشترى سيارة.. ثم قال: انظروا لقد استفاد أربعة من زملائنا اليوم لأن زميلا لهم أصبح يمتلك سيارة.
وبدأ الرجل يتحدث عن دور الصحافة الليبرالية في دعم رأس المال الوطني، والدفاع عن رجال الأعمال المصريين بدون مقابل، وعدم الخجل من اعتبار قضاياهم هي قضايا وطنية بالدرجة الأولى، وصلت الرسالة.. وبعدها بدأ الزملاء يحتفون بكل زميل يشترى سيارة، معنى بسيط غير أنه أوصل الرسالة بعمق، وبدأت وجهة نظر الزملاء تتغير تجاه كل ما هو رأس مال وطنى، هذه الحالة يجب أن تصبح طريقة تفكير، ليس كل رجل أعمال لصا.. ونجاح رجال الأعمال الوطنيين هو نجاح لمصر في الخروج من عنق الزجاجة.
هذا المعنى لم يصل بعد إلى رءوس موظفين، ووزراء، وتنفيذيين، بيدهم الأمر حتى الآن.. حدث أن تقدم وزير لمجلس الوزراء بمذكرة للحصول على موافقة مجلس الوزراء لقرض في أحد مشروعات وزارته، حصل على الموافقة في خمس دقائق.. تقدم زميل له للحصول على موافقة لمشاركة رجال أعمال مصريين في أحد مشروعات وزارته، تناقشوا أكثر من ساعة ثم رفضوا الأمر، وقف الوزير مندهشا من سرعة الموافقة على القرض ورفض الاستثمار.. وكان الوزير أشرف العربى لا يزال موجودا بالوزارة فوقف وقال بأعلى صوته: أنتم ترفضون الاستثمار وتحاربونه في الوقت الذي تغرقون فيه البلاد بالقروض!!
أقول ذلك، ومكتبي مملوء بالمستندات التي تؤكد هذا المعنى، طاردوا الاستثمار، وأغرقوا البلاد بالقروض.. رجال أعمال خرجوا من السوق بعد أن تأكد لهم المعنى، وآخرون تجمدوا في مواقعهم، لأنهم يدركون حجم المأساة، وفريق ثالث تورط ولا يزال في النضال ضد هذه العقليات.
منذ أسبوع، تناولت قضية جامعة الدلتا للعلوم والتكنولوجيا، وكيف وقف المحافظ المقال في وجه موافقة لجنة فض المنازعات التابعة لمجلس الوزراء، على بيع أرض الجامعة بسعر ٣٠٥ جنيهات للمتر، وهو سعر أعلى من أسعار نظيراتها من الجامعات الخاصة، حيث حصلت الجامعة البريطانية على أرضها بسعر ٩٠ جنيهًا للمتر بالمرافق، وحصلت الجامعة الألمانية على المتر بمقابل ١٣٤ جنيها، وهكذا بقية الجامعات.
لجأ أصحاب الجامعة إلى اللجنة الاستثمارية العليا، برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي وافقت على السعر، وطلبت إنهاء إجراءات التملك، غير أن المحافظ المقال وقف في وجه القرار، رافضا تنفيذه بحجة دفاعه عن المال العام، وهكذا استطاع محافظ أن يكون أقوى من أعلى لجنة برئاسة الرئيس، وعندما جاء محافظ جديد ووجد نفسه مكبلا بالقيل والقال، محاصرا بفكرة الدفاع عن المال العام، خشى أن يوافق فيقال فيه ما ليس فيه، وكانت النتيجة أن أصحاب الحق ينتظرون الآن تدخل العناية الإلهية، لإنقاذ سمعة جامعتهم من نيران الحقد والكراهية التي يقودها أعضاء بمجلس النواب، وعدد من هؤلاء الذين تسكن نفوسهم العتمة.
أصحاب جامعة الدلتا ليسوا وحدهم في مهب الريح.. رجال أعمال آخرون حصلوا وبالطرق القانونية المعمول بها، على إدارة جراج البستان من محافظة القاهرة منذ أكثر من عام، ولم يتسلموا الموقع حتى تاريخه، رغم قرار لجنة فض المنازعات الاستثمارية بمجلس الوزراء بأحقيتهم في تسلم الموقع، لجأوا إلى اللجنة الرئاسية طلبا للعون في تنفيذ قرار اللجنة الوزارية، وهكذا يدورون في دائرة من الروتين، وأموالهم معطلة، ومصالحهم متوقفة دون مبرر قانوني، إن هي إلا نفوس صاحبها المرض وكساها الحقد.
نموذج ثانٍ لا يقل غطرسة عن المثال الأول.. رجل أعمال ذهب إلى الصحراء أنفق أموالا طائلة في استصلاح عدة آلاف من الأفدنة، وعندما وقفت في وجهه ذات النفوس لجأ إلى القضاء، فأنصفه قضاء مصر الشامخ.. توجه بعدها إلى لجنة استرداد أراضى الدولة، ورغم أن الجميع يشهد للمهندس إبراهيم محلب بالشجاعة والقدرة على اتخاذ القرار، إلا أن رجل الأعمال واجه سيلا من اتهامات سواء بالكسب غير المشروع، أو الإحالة للأموال العامة، وقد أنصفه الجميع إلا أنه لايزال يراوح مكانه.. متجمدا في موضعه، لا يعرف إلى من يلجأ، خاصة وأن أحدهم قالها صريحة: «نحن لا يعنينا حكم القضاء»!!
نموذج ثالث لا يقل ضراوة عما سبق.. تقدمت سفيرة لاتفيا وهى دولة متقدمة للغاية في صناعة القطارات والسكك الحديدية، لمجلس الوزراء عارضة نقل تكنولوجيا صناعة السكك الحديدية إلى مصر، ومن ثم الدخول إلى أفريقيا بصناعة مصرية يمكن لنا أن نصبح روادا فيها، وقدمت مشروعا متكاملا جابت به مصر الرسمية والشعبية، وعرضته على الجميع، وأكدت من خلاله أن مصر تمتلك قاعدة صناعية مهمة وقادرة على أن تصبح رقما مهما في صناعة القطارات، فكانت النتيجة النهائية هي لجوء مصر إلى الاقتراض لاستيراد ٧٠٠ عربة قطار من المجر!!
النماذج أكثر من أن تحصى، والأرقام صعبة في هذا المجال، والنتيجة الأخيرة أننا لا نزال نفكر بطريقة متوحشة ضد كل ما هو استثمار.. ننظر إلى مكاسب المستثمر على أنها لصوصية، دون أن نتدبر الأمر بروية وعقل، فكلما نجح مستثمر في بلادنا فإنه يجذب آخرين إلينا، أما مطاردته فإنها تعطى الانطباع الأسوأ، وفى النهاية تتضاعف خسائرنا على كافة الأوجه.. أما المحتفون بالقروض وتعطيل حركة الاستثمار، فإنهم بلا شك كأنما يرددون: «ولكم في القروض حياة»!!
كل هذه القضايا ستطرح نفسها وغيرها آلاف الحالات على أجندة الدكتورة سحر نصر، للوصول إلى شهادة ميلاد جديدة لها كوزيرة أصبح في عهدتها الآن ملفان شائكان، أولهما الاستثمار باعتباره طوق نجاة لمصر والمصريين، فإن أرادت فإن لدينا من الملفات ما يفوق التصور، ونحن على ثقة أن الدكتورة سحر نصر قادرة على التحرك بجرأة لا تعرف الخوف ولا المحاباة ولا التأجيل.