رئيس التحرير
عصام كامل

سيدنا مبارك رضي الله عنه ودراويشه !


في البداية لابد من التأكيد على أننى لم أصدم أو أدهش كما حدث لكثير من المصريين بحصول مبارك وأعوانه على البراءة، ليس فقط في قضية قتل المتظاهرين، بل في كل القضايا التي قدموا للمحاكمة على إثرها، وذلك لأنني لم أقتنع أصلا بفكرة المحاكمة وفقا لقوانين وتشريعات قاموا هم بوضعها وسنها من الأساس، وكنت مع من يرى أنهم لا يجب أن يخضعوا للشرعية الدستورية التي قدمتهم للمحاكمة وفقا لتهم محددة أمام قاضيهم الطبيعى.


بل طالبت مع من طالب بضرورة خضوعهم للشرعية الثورية، بناءً على اعترافى بأن 25 يناير ثورة وليست مؤامرة كما يدعى الآن محاسيب ودراويش سيدنا مبارك رضي الله عنه، بل كنت مع محاكمته هو وأعوانه محاكمة سياسية تشكل لها محكمة عاجلة، لينالوا عقابهم على ما فعلوه، وما ارتكبوه من جرائم في حق الشعب المصرى، عبر ثلاثة عقود كاملة.

ومن الضرورى التأكيد أيضا أنني لست ممن يتعاملون مع المسئولين السياسيين بالعاطفة، خاصة أننى لا تربطنى بهم معرفة سابقة، بل أتعامل معهم من منظور موضوعى، فهم أشخاص تقدموا لمواقع المسئولية أمام الشعب، وتم توقيع عقد اجتماعي بينهم وبين الشعب هو الدستور، وعليهم أن يفوا ببنود هذا العقد، عبر مجموعة السياسات التي ينتهجونها لتحقيق مصالح الشعب، فإن عملوا مخلصين لتحقيق مصالح الجماهير الشعبية التي قامت بانتخابهم للقيام بهذه المهمة كان موقفى منهم إيجابىيا، وإن انحرفوا عبر سياساتهم عن تحقيق مصالح هذه الجماهير الشعبية وجب أن نوجههم ونحذرهم من انحرافهم، وإن لم يستجيبوا فإن الموقف سيكون بالطبع ضدهم.

لذلك موقفى من كل القادة التاريخيين الذين تولوا مسئولية الحكم في مصر يكون وفقا لهذه القاعدة، بعيدا عن الحب والكراهية، وبعيدا عن الأهواء الشخصية، لذلك دائما ما أبحث عن الأدلة والبراهين التي تؤكد وجهة نظرى، وموقفي سواء الإيجابي أو السلبي تجاه هؤلاء القادة الذين تولوا حكم البلاد، سواء في الماضى أو الحاضر، ولعل خلفيتى العلمية لها كثير من الفضل في ذلك، فالعلم لا يعترف إلا بالأدلة والبراهين لإثبات صحة الموقف، وبالتالى يكون الحكم أو النتيجة النهائية أقرب للواقع الموضوعى.

وبناءً على ذلك فإننى عند النظر للرئيس الأسبق حسنى مبارك لا أرى فيه شيطانا رجيما كما يراه أعداؤه بل أرى أنه كان يوما ما قائدا عسكريا متميزا خدم الوطن ودافع عن ترابه كأى جندى في مدرسة الوطنية الحقيقية(الجيش المصرى) وظل في موقعه العسكري قائدا للقوات الجوية إلى أن اختاره الرئيس أنور السادات بعد حرب أكتوبر ليكون نائبا له، وهنا انقضي دوره العسكري، وبدأ الدخول في مرحلة العمل السياسي الذي يمكن لنا تقييمه فيه بشكل مختلف عن دوره الأول حتى لا نخلط الأوراق كما يفعل دراويشه.

ويمكننا القول إن دور الرجل السياسي لم يبرز بشكل واضح خلال سنوات النيابة الست، حيث اختفى دوره تماما في ظل وجود الرئيس السادات، وشاءت الأقدار أن يتولى الرجل المسئولية برحيل السادات في مطلع الثمانينيات، بعد أول اعتداء على الدستور من الرئيس السادات الذي قام بتعديله، ليبقى مدى الحياة في الحكم، فكانت الإرادة الإلهية أسبق ولم يستفد السادات من اعتدائه على الدستور، بل استفاد خلفه مبارك الذي جلس ثلاثين عاما في سدة الحكم.

وخلال سنوات حكمه الطويلة التي حاول في بدايتها أن يعمل بجد وفقا لقدراته وإمكاناته المحدودة للغاية، لكننا لا نحكم على المسئولين عن شئون الحكم بالنوايا فقط، بل بمجمل عطائهم وانجازاتهم وسياساتهم وانحيازاتهم الاجتماعية، وفى هذا الإطار يمكن التأكيد بما لا يدع مجال للشك أن الرجل فشل بكل المقاييس، فالسياسات التي اتبعها أفقرت الغالبية العظمى من شعب مصر، ورفعت الدين الخارجى والداخلى بشكل غير مسبوق، وكرست التبعية للغرب الرأسمالى..

وكانت انحيازاته الرئيسية للمحاسيب والمقربين منه وعائلته، حيث تحولت مصر على يديه إلى عزبة تديرها أسرته وأصحابهم في نهاية حكمه، وكانت ثورة الشعب عليه في 25 يناير هي المحصلة النهائية لفشل سياساته، فطالب الشعب برحيله من أجل تحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية المفقودة.

ووفقا لذلك كان مبارك يستحق المحاكمة السياسية، لكن قادة الثورة المضادة من اتباعه تمكنوا من فرض أمر واقع على الشعب، وتحويل مبارك لمحاكمات وهمية على بعض التهم التي يعلمون أنها لن تثبت أبدا عليه، لذلك كانت البراءة، إلى هنا لا توجد مفاجآت بالنسبة لى، لكن الغريب والعجيب حقا هو تلك الضجة التي قام بها دراويشه بعد إعلان براءته في قضية قتل المتظاهرين، حيث شاهدنا جيوشهم الإلكترونية عبر مواقع التواصل الاجتماعى يحاولون غسيل ذمته، متناسين أن القضاء أدانه في قضية القصور الرئاسية، وثبتت سرقته، وقام أحد دراويشه بكتابة مقال غريب عجيب يقول فيه إن السماء بكت على مبارك يوم براءته، حيث هطلت الأمطار، وأن الله مد في عمره ليس ليذله لكن لينصره على من ثاروا عليه يقصد شعب مصر.

وهناك من كتب يقول إن إبراهيم عيسى العدو اللدود لمبارك هو من شهد ببراءته في قتل المتظاهرين، وهى شهادة غريبة عجيبة، فمن أين عرف إبراهيم عيسى أن الرجل لم يعط أوامره بقتل المتظاهرين؟ وهل كان قريبا من دائرة صنع القرار وهو العدو اللدود؟ وهل كان مقيما مع الرجل في قصره الرئاسي أيام الثورة؟

تساؤلات كثيرة حائرة، لكن في كل الأحوال فقد انطوت ورقة مبارك في الحكم، وما يجب أن نلتفت له أن دراويشه الذين يعتبرونه سيدنا مبارك رضي الله عنه هم من يفرضون سيطرتهم وهيمنتهم حول مقاليد الحكم، ومازالت سياساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية الفاشلة تعمل على إفقار المصريين وتعميق جراحهم، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية