رئيس التحرير
عصام كامل

عضو مركز الحوار بالأزهر: القاهرة تحتضن أكبر مؤتمر دولي في تاريخ البشرية للقضاء على التطرف.. المشيخة منفتحة على جميع الأديان

فيتو

قال عضو مركز الحوار بالأزهر الشريف الدكتور كمال بريقع عبد السلام، إن القاهرة على موعد مع حدث تاريخى تستعيد خلاله راية الريادة التي ظلت تحملها على مدى آلاف السنين الماضية؛ حين تحتضن مطلع العام المقبل، وتحت رعاية شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وبابا الفاتيكان، البابا فرنسيس مؤتمرًا دوليًا هو الأكبر في تاريخ البشرية الحديث لإقرار السلام العالمي والقضاء على التعصب والتطرف والعنف وتجفيف منابع الإرهاب.

وأضاف عضو مركز الحوار بالأزهر في حوار مع فيتو أن الإعلان عن عقد هذا المؤتمر التاريخى لم يكن وليد الصدفة؛ بل جاء عقب جولات من الحوار المتتالية، والتي عقدت في العام المنقضى ومطلع العام الحالي بين الأزهر والفاتيكان، متحدثًا عن الأسباب التي أدت إلى تقارب المؤسستين العريقتين من جديد عقب انقطاع دام 10 سنوات وغير ذلك من التفاصيل، التي ترصدها «فيتو» في الحوار التالي:



> ما أهم الدوافع التي أدت إلى التقارب وعودة جلسات الحوار بين الأزهر والفاتيكان؟
خلال سنوات القطيعة العشر؛ جرى في النهر مياه كثيرة، ما أسهم وبقوة في عودة الحوار من جديد، ومن أهمها الوساطات العديدة التي قامت بها جهات رسمية وغير رسمية، بالإضافة إلى مبادرة الفاتيكان بإرسال المكاتبات إلى مشيخة الأزهر الشريف والتي تبحث خلالها عودة العلاقات إلى سابق عهدها بين المؤسستين العريقتين.
وأعتقد أن الوقت قد حان للكشف عن أمر كان في السابق سرًا لا يجوز الإفصاح عنه، وهو أننى في عام 2015 كنت ممثلًا للأزهر الشريف في مؤتمر: «مكافحة الإرهاب» والذي عقد بالمملكة الأردنية الهاشمية وعقب إلقائى الكلمة الافتتاحية حملنى الكاردينال جون لويس توران، رئيس المجلس البابوى لحوار الأديان، رسالة إلى شيخ الأزهر مفادها: أنهم يريدون أن يستجيب الأزهر الشريف لمطالبهم بعودة العلاقات واستئناف الحوار بين الجانبين، وهو ما رحب به الدكتور أحمد الطيب وقتها.
بالإضافة إلى أمر آخر ساعد على عودة الحوار بين المؤسستين، وهو تلك التصريحات المنصفة والمواقف المتميزة لبابا الفاتيكان الحالى البابا فرانسيس، ومنها رفضه القاطع لإلصاق تهمة الإرهاب بتعاليم الإسلام السمحة أو غيره من الأديان، ما عكس قوة العلاقة بين أتباع الديانتين، وأكد للجميع أن تعاليم الإسلام تدعو إلى التعارف والتعاون، كما تحث على الإخاء الإنسانى والعيش المشترك، وكذلك تعاليم المسيحية تدعو إلى العطف والرحمة، ويكفى أن نشير هنا إلى وثيقة المجمع المسكونى الثانى التي صدرت عام 1965 وحددت علاقة الديانة المسيحية بالإسلام، وهى وثيقة خالدة أكدت تلك الأواصر الطيبة وقيم الحوار وحسن الجوار بين الإسلام والمسيحية.
وعقب تضافر كل الأسباب السابقة بادر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، في مايو عام 2016، بزيارة تاريخية إلى الفاتيكان عكس خلالها كممثل لأكبر مؤسسة إسلامية في العالم قيمة التسامح والرحمة وقوة أواصر العلاقة بين الأزهر والفاتيكان، وكانت تلك الزيارة إيذانًا باستئناف الحوار بين الجانبين.

> وماذا عن المؤتمر العالمى للسلام الذي أعلن الدكتور الطيب والبابا فرانسيس عن عقده بالقاهرة؟
هذا المؤتمر، المزمع عقده في مطلع العام المقبل، سيكون حدثًا تاريخيًا لم تشهده البشرية من قبل، ونأمل أن تسفر نتائجه عن إقرار سلام شامل وعادل بين أصحاب الديانات في شتى أنحاء العالم، وكل ما أستطيع قوله الآن إن هناك مشاورات تُجرى على قدم وساق في هذا الشأن، وسيعلن عن كل التفاصيل في حينها، وسنبدأ خلال الفترة المقبلة اجتماعات تمهيدية تسبق الإعداد لهذا المؤتمر، وهناك اتجاه لدعوة أطراف وممثلين من أصحاب الديانات الأخرى والشخصيات العالمية المؤثرة والتي تؤمن بقيمة السلام، وتسعى لنشر ثقافته وتدعو لتعزيز الحوار بين الديانات والثقافات المختلفة، وخلق مجتمعات متماسكة تحيا جنبًا إلى جنب في سلام ووئام، وتسهم في بناء الحضارة الإنسانية وتسعى للتغلب على المشكلات التي تهدد الإنسانية من جهل وفقر ومرض وأمية وعنف وتقضى على خطاب الكراهية والتمييز.
ولابد أن أشير هنا إلى تلك المؤتمرات الكثيرة التي يشارك فيها الأزهر الشريف داخل مصر وخارجها، وتهدف إلى نشر ثقافة السلام وتشجيع الحوار ومحاربة الإرهاب والتطرف، وأكبر دليل على أن الأزهر منفتح على جميع الأديان المؤتمر الذي ينطلق اليوم الثلاثاء (28 فبراير)، بمشاركة علماء ورجال دين من مسلمى ومسيحيى العرب؛ لمناقشة قضايا المواطنة والحريات والتنوع الاجتماعى والثقافي، والأبعاد المحلية والعالمية للتجربة العربية الإسلامية والمسيحية، في الحياة المشتركة ومشكلاتها وتحدياتها.
ولعل المحاور المهمة في هذا المؤتمر، والتي يأتى على رأسها: «خصائص المواطنة وشروطها في عالم اليوم، والأوضاع الحاضرة لعلاقات المواطنة في العالم العربى في النصوص والنفوس والوقائع، وحرية الأفراد وهوية الجماعات، ودور الدولة في صون الحريات وحماية التنوع والعمل معًا لدرء مخاطر التفكك والانقسام ومواجهة التعصب والإرهاب، وترسيخ شراكة القيم وتفعيلها وتوسيع المشاركة في الحياة العامة»؛ أكبر دليل على أن هناك إرادة مشتركة بين أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية لمواجهة التحديات المعاصرة التي تحيط بالجميع والتكاتف للقضاء على التطرف والعنصرية والتمييز والإرهاب.

> هل هناك آليات محددة تم وضعها من قبل الأزهر والفاتيكان للقضاء على العنف والإرهاب؟
لا شك أننا جميعًا نعانى من ظاهرة الغلو والتطرف والعنف الذي يرتكب باسم الدين وتلك الجرائم الإرهابية الموجهة ضد الإنسانية، الأمر الذي جعلنا نتوافق على وجود آلية واضحة لمواجهة تلك التحديات، وهذه الآلية تعتمد في المقام الأول على أهمية الحوار وتفعيل القيم الإنسانية المشتركة من خلال تعزيز قيم الرحمة في مواجهة القتل، والتسامح والوسطية في مواجهة التشدد والتطرف والغلو، وتقديم المعرفة الصحيحة في مواجهة المفاهيم المغلوطة، وهداية الدين الحقيقية في مواجهة الانحراف والضلال، كما تعتمد أيضًا على تبنى قادة وعلماء المؤسسات الدينية موقفًا واضحًا في رفض كل أشكال العنف، ومن ثم توجيه الرأى العام في العالمين الإسلامى والمسيحى نحو المفاهيم الصحيحة وتحصين الشباب من الوقوع فريسة للجماعات المتشددة والمذاهب الفكرية المنحرفة.
بالإضافة إلى أننا بحثنا أسباب ظواهر التعصب، وتوصلنا إلى أن أفضل معالجة ممكنة للقضاء عليها يكمن في القضاء على أسبابها المعروفة، مثل: (الفقر، والأمية، والجهل، وتوظيف الدين توظيفًا سياسيًا، وخدمة أجندات خفية، وتبنى سياسات من قبل بعض الدول تقوم على التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو اللغة)، وسط مطالب بالاستعانة بالمتخصصين في المجالات المختلفة كعلماء الاجتماع وعلماء النفس وشتى التخصصات المختلفة التي تسهم في الوصول إلى أفضل نتائج تُخلص مجتمعاتنا من هذه الظاهرة الغريبة عليها، وكذلك الاهتمام بقضايا الشباب وفتح قنوات حوار معهم تبين لهم المفاهيم الصحيحة التي جاءت بها الأديان، والاهتمام بتربيتهم وتنمية قدراتهم من خلال تبنى برامج وورش عمل تستهدف تدريبهم وزيادة وعيهم، والاهتمام بالأسرة واستشعار المسئولية في العناية بالأطفال.

> هل اتفق ممثلو الأزهر والفاتيكان على عقد جلسات حوار دورية لتفعيل ما سبق من آليات مواجهة التطرف والعنف؟
الحوار ضرورة إنسانية وحياتية ودينية، ونحن نقول دومًا إن “الحوار أولًا لأجل الحوار”، ومنهج الأزهر في وجوب الحوار والتعايش السلمى مع أتباع الديانات السماوية ينبع من ذلك المطلب الشرعى الذي وجه إليه القرآن الكريم، وفى جلسة الحوار الأخيرة بين ممثلى مركز حوار الأديان بالأزهر والمجلس البابوى للحوار بين الأديان بدولة الفاتيكان، والذي عقد بمقر المشيخة بالدراسة يومى الأربعاء والخميس من الأسبوع الماضي، بحث الجانبان تبنى مبادرات على أرض الواقع، وكانت التوصيات التي أُعلن عنها هي أولى ثمار هذه المبادرات.
واتفق الجانبان أيضًا خلال الجلسة التي عقدت مؤخرًا على عقد اجتماعات دورية كل ستة أشهر، بالإضافة إلى توالى جلسات التشاور التي تُجرى بين الجانبين من وقت لآخر بهدف تبنى إستراتيجية طويلة الأمد؛ لإحداث التغيير الذي نتطلع إليه جميعا.

> هذا يجعلنا نأمل خلال الأشهر المقبلة رؤية خطوات عملية يتم تنفيذها لمواجهة العنف والإرهاب؟
التوصيات الصادرة عن الأزهر والفاتيكان في جلسة الأسبوع الماضي، في حد ذاتها، تُعد تقدمًا كبيرًا في خطط محاصرة المخطط الإرهابى داخل المنطقة وخارجها؛ لما تحظى به المؤسستان العريقتان من احترام وتقدير لدى أتباع الديانتين الإسلامية والمسيحية، وتلك التوصيات في الوقت ذاته توجه الأنظار الشعبية والرسمية إلى معرفة ما يصدر عن المؤسستين، والأمر الثانى والمهم هو أننى أتوقع أن تلك المبادرات التي أشرت إليها سيكون لها قوة وتأثير كبيران من كلا الجانبين.


الحوار منقول بتصرف عن النسخة الورقية لـ "فيتو"
الجريدة الرسمية