حينما تلتهم الثورة أبناءها (2)
كما سبق أن أشرنا من خلال المقال السابق، أن هناك إشكالية كبرى تتعلق بنظرة أو بعلاقة جماعة الإخوان المسلمين بالثورة، والحقيقة أن تلك الإشكالية تتعلق بثلاثة أبعاد رئيسية، يمكن رصدها فى ضوء التالى:
أولا: مفهوم جماعة الإخوان المسلمين عن الثورة:
عند الاطلاع على أدبيات ومبادئ جماعة الإخوان المسلمين، نجد أنهم لا يميلون إلى الثورة أو التظاهر كأداة للتغيير بقدر ما يميلون إلى الإصلاح، فدائما ما كانوا يصفون أنفسهم بأنهم جماعة إصلاحية تتبنى أيديولوجية تقوم على أساس التغيير السلمى ومبدأ تداول السلطة بعيدا عن الثورة أو أى مقاومة، وهو ما صرح به الدكتور محمد مرسى بصورة مباشرة قبل قيام الثورة حيث قال بالنص: "نحن لسنا دعاة ثورة، ولكن إذا استمر الحال على ما هو عليه فقد يؤدى إلى ثورة ليست من صنعنا، لأننا لا نحرص عليها بل نحرص على وطننا".
ثانيا: موقف جماعة الإخوان المسلمين من ثورة 25 يناير:
فى ضوء موقف جماعة الإخوان المسلمين الذى سبق الإشارة إليه من مفهوم الثورة بصورة عامة، نجد أنه عندما انطلقت دعوات للتظاهر يوم 25 يناير، تسابقت قيادات الجماعة لإعلان رفضها للمشاركة فى تلك الدعوات، حيث كان الموقف الرسمى الذى اُعلن فى بداية الثورة هو عدم المشاركة، ووضع عشرة مطالب لتهدئة الشارع.
وحتى بعد أن أيقنت الجماعة قرب سقوط نظام مبارك، وقررت أن تشارك كانت مشاركتها منقوصة، ففى الوقت الذى كان فيه شباب الثورة فى الميدان كانت قيادات الجماعة بمن فيهم رئيس الجمهورية الحالى مجتمعة مع عمر سليمان للتفاوض معه بشأن الانسحاب من الميدان.
ثالثا: موقف جماعة الإخوان المسلمين من استكمال أهداف الثورة:
على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين كانت آخر من انضمت للميدان، إلا أنها كانت أول من انسحبت منه، ففى الوقت الذى حرص فيه الثوار على المطالبة باستكمال أهداف الثورة، تخلت عنهم الجماعة تاركة إياهم يواجهون بطش المجلس العسكرى وحدهم باحثة عن المصالح، مؤكدة أن ما يقوم به الثوار ما هو إلا محاولات لإفساد العرس الديمقراطى.
وبالتالى فهناك إشكالية كبرى تتعلق بنظرة الإخوان المسلمين الضيقة لثورة 25 يناير، وحصرها فى الثمانية عشر يوما الأولى فقط، وهو ما يمكن تفسيره فى ضوء موقفهم السيىء بداية من إدانة الثوار إلى تكريم من تسبب فى إراقة دمائهم على مدار عام ونصف العام من أحداث ماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء وغيرها من أحداث المرحلة الانتقالية التى تعد جزءً لا يتجزأ من الثورة، والتى لا يمكن تخيل الثورة بأى حال من الأحوال دونها.
وبالتالى وفى ضوء الأبعاد الثلاثة للإشكالية التى سبق الإشارة إليها، نستطيع أن ندرك جيدا أسباب التهام الثورة لأبنائها، وهى لأن من يحكم اليوم لا يؤمن بالثورة كمجمل، وإنما يؤمن بجزء صغير منها يقوم على أساس تحقيق مصالحه فقط، ففى الوقت الذى كان جيكا يناضل فيه فى الميدان يوم 25 يناير لإسقاط النظام، كانت الجماعة تضع مطالب لتهدئة الشارع، وفى الوقت الذى كان فيه علاء عبدالفتاح يواجه الدبابات فى ماسبيرو كانت الجماعة تدين مطالب الأقباط وتطالبهم بالتحلى بالصبر، وفى الوقت الذى كانت فيه دماء الشباب تسيل فى شارع محمد محمود، كانت الجماعة تعد صناديق الانتخابات وتحتفل بالعرس الديمقراطى، وبالتالى وبعد كل هذا كان لابد أن تلتهم الثورة أبناءها على يد من أصبحوا وللأسف فى غفلة من الزمن جزءً منها.
nour_rashwan@hotmail.com