سعد الدين إبراهيم يكشف دور الأجهزة الأمنية في أزمة «المصريين الأحرار».. نجيب ساويرس يدفع ثمن مبادئه الشريفة.. مطالب رجل الأعمال بالعدالة الاجتماعية تغضب السلطة.. والطامحون لقيادة الحزب «
كان الله في عون المهندس نجيب ساويرس أحد شرفاء الوطن، ورحم الله حزب المصريين الأحرار، آخر ضحايا الممارسات الأمنية الخبيثة في الآونة الأخيرة، هكذا أكد سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون في مقاله الذي حمل عنوان «فن الأجهزة الأمنية في تفجير الأحزاب المعارضة السياسية»، في «المصري اليوم».
وقال «إبراهيم» إن دول الاستبداد العربية، من الخليج العربى إلى المُحيط الأطلنطي، لا تُريد أي تعددية سياسية، تضمن لشعوبها قدرًا من المُشاركة في السُلطة، فقد تمرّست أجهزتها الأمنية في اختراق أي تكوينات اجتماعية مُستقلة، بقصد، إما التحكم في أدائها ومصيرها، أو تشويهها وتفجيرها من الداخل.
وأوضح أن حزب المصريين الأحرار، آخر ضحايا تلك المُمارسة الأمنية الخبيثة. فلماذا حزب المصريين الأحرار في الآونة الأخيرة، تحديدًا؟ كان ذلك أساسًا للأسباب التالية:
وفي بداية مقاله يشير «إبراهيم» إلى أن الحزب منذ نشأته في أعقاب ثورة 25 يناير 2011، كان واضحًا في أيديولوجيته في أخذه بالليبرالية في كل مناحى الحياة المصرية المُعاصرة، دون تلفيق أو ترقيع أو مواربة أو اعتذار، وبذلك ظهر الحزب كما لو كان هو المُعادل الوظيفى لحزب الوفد القديم، الذي كان قد بدأ في أعقاب ثورة 1919.
وأضاف أن وضوح المصريين الأحرار كان تعويضًا عن خيبة الأمل التي شعر بها أنصار الوفد القدامى، عن الهزال والخمول الذي طرأ على حزب الوفد الجديد، الذي كان قد أحياه القُطب الوفدى القديم، فؤاد سراج الدين. لذلك هرع قطاع كبير من المصريين النُشطاء في الحياة العامة إلى الانضمام إلى حزب المصريين الأحرار.
وتابع أن رجل الأعمال المعروف، المهندس نجيب ساويرس، أحد مؤسسى الحزب، هو ربيب أسرة رأسمالية وطنية من أعماق صعيد مصر، وفيًا لتلك الليبرالية، سواء في الاقتصاد أو السياسة أو الثقافة، وكان الوحيد من أبناء رجل الأعمال أنسى ساويرس، وناشطة العمل الاجتماعى، يُسرية لوزة، الذي خاض غمار العمل السياسي الحزبى، فكما أن حزب المُحافظين في بريطانيا، والحزب الجمهورى في أمريكا يُعبّران عن تلك الليبرالية مُتعددة الوجوه، فكذلك أخذ ابنهما الأكبر نجيب هذا المنحى الليبرالى.
وأكمل أن هناك مؤسسة اجتماعية باسم الأسرة تعمل في تنمية العشوائيات، على حواف القاهرة، سواء في منطقة الزبّالين في المقطم، أو عزبة الصفيح في طُرة. كذلك ترعى المؤسسة، ونجيب ساويرس أنشطة ثقافية وفنية عديدة، فتحت للمُبدعين المصريين أبوابًا، كان يطول انتظارهم أمامها للعمل في السينما والمسرح، وتبنى جوائز ومهرجانات سنوية لشباب المُبدعين، وكذلك الرعاية الصحية والاجتماعية للشيوخ منهم، بعد أن تكون قد انحسرت عنهم الأضواء في خريف العُمر.
وكان نجاح حزب المصريين الأحرار في الفوز بثانى أكبر عدد من المقاعد، جعلته يتصدر المُعارضة في البرلمان الذي انتخب طبقًا لدستور 2014. كما أن الحزب حرص على تدريب وتشجيع كوادر شبابه لخوض انتخابات المحليات.
وأوضح أنه رغم كل هذا فإن نجيب ساويرس نفسه أظهر زُهدًا أسطوريًا عن السعى إلى أو تقلّد أي مناصب تنفيذية، عرضها عليه كل من الدكتور عصام شرف والدكتور حازم الببلاوى في الوزارات التي شكّلاها في أعقاب ثورة يناير، هذا فضلًا عن أنه من رجال الأعمال القلائل الذين لم يهربوا من مصر خلال المخاض الثورى العنيف الذي مرت به مصر بين عامى 2013 و2016. كما فعل الكثيرون منهم، ورغم أن بُلدانًا عربية، مثل الجزائر والعِراق، وآسيوية مثل أفغانستان وإيران، فضلًا عن ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة كانت وما زالت مفتوحة له ولأسرته فيها أعمال مُزدهرة. ولكنه، كما يقول عن نفسه صعيدى مصرى، لا يشعر بالألفة أو الراحة إلا في أحضان هذا الوطن المصرى.
وكشف سعد الدين إبراهيم أنه بين الحين والآخر ينشر البعض أخبارًا أو شائعات عن مشكلات له مع الدولة، مثل مديونيته للضرائب، وهو ما كان سرعان ما يواجهها على المكشوف، حتى يتضح كذبها، ولذلك كله لم تجد الأجهزة الأمنية سوى أن تُحاول طعن نجيب ساويرس من خلال تفجير حزبه المصريين الأحرار، فلأن الرجل كان زاهدًا في أي منصب قيادى بالحزب، واكتفى بعضوية ورئاسة مجلس أمناء الحزب، فقد أوحت الأجهزة أو أمرت أحد الطامعين الطموحين في القيادة والظهور من أعضاء الحزب بالانشقاق مع فريق ممن غرسهم الأمن داخل الحزب، بالانشقاق وفصل مجلس الأمناء، بمن فيهم رئيس المجلس نجيب ساويرس.
وقال مدير مركز ابن خلدون إن ذلك لم يكن مستغربًا، فقد فعلت تلك الأجهزة الأمنية نفس الشىء مع كل أحزاب المُعارضة، سواء كانت في أقصى اليمين أو أقصى اليسار، علمانية كانت أو دينية، من الوفد إلى التجمع إلى الإخوان إلى السلفيين.
وأكد أن تلك الأجهزة هي الأذرع الحقيقية للدولة العميقة، التي تريد أن تُهيمن وأن تحكم بلا مُنغصات، ودليل ذلك أنه إذا تجاوز أي حزب أو حركة خطوطًا مُعينة، أو أراد أن يُمارس دورًا سياسيًا مُستقلًا حقيقة، فإنه سرعان ما تقوم الأجهزة بتفجيره من الداخل، أو تشويهه من الخارج، ومثال على ذلك أن الحزب الذي يدعو إلى عدالة اجتماعية تنصف الفُقراء والمُعدمين، سرعان ما يتم تشويه زُعمائه من خلال تصوير جوانب خفية من حياتهم الميسورة في المُنتجعات أو المطاعم الفاخرة.
ويكمل أما الحزب المُتشدد اجتماعيًا ودينيًا، فإن الأجهزة تظهر قياداته وهم يُمارسون السهرات مع الغانيات أو يُمارسون تعدد الزوجات مع القاصرات أو الساقطات، أو حتى أولئك الذين يكونوا ضمن حركات أو أحزاب مُتشددة في الحفاظ على الأرض ورفض التبعية لقوى خارجية، فإن نفس الأجهزة لن تألو جُهدًا في إظهارهم أو إظهار أبنائهم يتعلمون أو يعيشون في معاهد وعواصم غربية، أوروبية أو كندية أو أمريكية، كما فعلوا مثلًا مع الدكتور محمد البرادعى، والدكتور أيمن نور، والفريق أحمد شفيق.