الرمال السوداء.. كنز حقيقي
في جلسة مطولة جمعتني مع بعض مسئولي الثروة المعدنية المصرية فوجئت بهم يشتكون لي من الروتين الذي يجعلهم غير قادرين على استغلال الثروات الطبيعية المعدنية الضخمة في مصر، والتي معظمها مهدر بصورة غير طبيعية، وطبعا كان تعجبي من شكوى هؤلاء وهم مسئولون!
أعطاني هؤلاء نماذج للثروات الطبيعية من مثل الرمال السوداء، وهي كنز من كنوز مصر المهدرة على شواطئ البحر المتوسط، وهي مشروع قومي يتحتم تنفيذه الآن أكثر من أي وقت مضى، والرمال السوداء هي رواسب شاطئية سوداء ثقيلة، تتراكم على بعض الشواطئ بالقرب من مصبات الأنهار الكبيرة، وتتركز هناك بفعل تيارات الشاطئ على الحمولة التي تصبها الأنهار في البحر، وتتكون من المعادن الثقيلة، وخاصةً معدني الماجنتيت والإلمنيت، وتستغل كخامات للحديد.
كما تحتوي عادةً نسبة صغيرة من المعادن المشعة كالمونازيت وغيره، وكلها معادن يغلب عليها اللون الداكن وتستغل هذه الرمال السوداء من أجل استخراج معادن الحديد والمونازيت، وأهم البلاد التي تستغلها الهند، والبرازيل، ومصر التي توجد فيها عند منطقة الرأس السوداد بالقرب من رشيد، وتوجد 11 منطقة استغلال لها في مصر.
وترجع الأهمية الاقتصادية للرمال السوداء إلى احتوائها على نسب من المعادن التي لها مردود تعديني مثل الإلمنيت كما تحتوي الرمال السوداء وغيره مما تستخدم في إنتاج معدن التيتانيوم لصناعة هياكل الطائرات، والصواريخ ذات الارتفاعات العالية لمقاومة الظروف الكونية، والروتيل وهو المادة الأساسية في صناعة البويات. والزركون يساعد على امتصاص النيوترونات ولذا يستخدم في المفاعلات النووية لكبح جماح التدفق النيتروني.
تدخل أيضا في صناعة السيراميك والأدوات الصحية، وصناعة الحراريات، وصناعة مواد الصنفرة. وقدرت دراسة صادرة عن هيئة الطاقة النووية بأن استغلال الرمال الموجودة بها قد يعود على مصر سنويا بما يجاوز 600 مليار جنيه.
وتمتلك مصر أكبر احتياطي منها وتنافسها الهند وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل، وكل منها تستغل تلك الرمال الاستغلال الأمثل لها. لكن مصر إلى الآن لم تستغل هذه الثروة المهدرة الكفيلة وحدها بتقدم مصر الاقتصادي وسد عجز الموازنة إذا أحسن استغلالها، خاصة وأنه فشل مشروع إنشاء مصنع لها في 1996 لعدم توفر الإرادة السياسية وقتها كما لم يؤت اجتماع عقده المهندس إبراهيم محلب - وقت أن كان رئيسا للوزراء – مع الوزراء المعنيين ثماره.
ويؤكد المسئولون الآن أنه كي تستفيد مصر من هذه الثروة ينبغي تحديد ضوابط واضحة لاستغلال تلك الرمال خاصة إذا تم إسناد حق استغلال المشروع لشركة أجنبية، مع استخلاص كل المعادن واستغلالها جميعها دون استثناء، فضلا عن أن تضمن الشروط أكبر عائد لمصر من البدء في المشروع، ومن المستحسن أن تستغل مصر هذه الثروة بنفسها لتعظيم المكاسب. فأين مسئولينا من هذه المشروعات؟!