رئيس التحرير
عصام كامل

يوم للمجد نسيته مصر.. عيد تحرير الكويت


مر السادس والعشرين من فبراير الماضي، علينا في مصر نسيًا منسيًا، ومر على الأشقاء في الكويت عيدًا مدويًا، رغم أن مصر بجيشها وإرادتها السياسية شريك حقيقي فاعل في صنع أمجاد هذا اليوم الذي يحتفل فيه الشعب الكويتي بالانتصار وتحرير البلاد من جريمة حمقاء ارتكبها الرئيس العراقي صدام حسين في فجر الثاني من أغسطس عام ١٩٩٠ أي قبل ستة وعشرين عامًا.


يومها اقتحمت الدبابات والمشاة العراقية أراضي الكويت، بإعداد ما بين ٨٨ ألفا و١٠٠ ألف جندي، ليواجههم جيش من ١٦ ألف جندي كويتي استشهد منهم وجرح نحو الأربعة آلاف جندى.. انتهت المواجهة الغادرة باحتلال الكويت في ٤٨ ساعة، وأقام أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح حكومة مؤقتة بالسعودية.. كان الغزو الداهم الغاشم صادمًا للأمة العربية وقاسمًا لها على نحو غير مسبوق، فلأول مرة ترى أجيالنا ما سمى وقتها بالاستعمار العربي لدولة عربية ذات سيادة، وهي المأساة السياسية الكبرى في تاريخ المنطقة العربية، ولا تزال تتداعى عواقبها نارا ودما ونزيفا اقتصاديا وهوانا عربيا، وتصدعات داخلية.. أقول مر هذا اليوم علينا هنا لم نشعر به، رغم أن العسكرية المصرية التحمت مع شقيقاتها الخليجية، تحت راية تحالف دولي ضم أكثر من ٦٠ دولة نجح في حشدها الرئيس الأمريكي الأب جورج بوش.

كان صدام قد سقط في فخ أطماعه.. تلقى إغراءً من أبريل جلاسبي، سفيرة أمريكا لدى العراق وقتها، وكان يتحسس موقف واشنطن لو دخل الكويت، ولم تظهر السفيرة معارضة قاطعة ولا موافقة جازمة، فتركت صدام لجموحه يسوقه إلى الحماقة الكبرى.. أهمية تلك اللحظة مرتبطة جدًا بأنه كان خارجًا لتوه من الانتصار على الخومينى والدولة الإيرانية، في حرب دامت ثماني سنوات، وقفت فيها الدول العربية الخليجية، وبالذات الكويت وقفة الشقيق، ومولت من أموالها واقتصادها آلة الحرب، بعشرات المليارات من الدولارات، وتعرضت أراضيها للقصف الإيراني.. شهوة الانتصار جرفته لتنفيذ خطته بالاستيلاء على الكويت، تحت دعوى انخفاض أسعار النفط، بعد إغراق دول الخليج للسوق الدولية بمزيد من النفط كما زعم وقتها.. وهكذا قرر احتلال وضم أراضي النفط وآبار النفط، وإعلانها جمهورية الكويت، ثم اعتبرها المحافظة رقم ١٩ كجزء من الدولة العراقية.. وسط النار والخراب والدموع ظهرت وقفة الرجال في القاهرة وفي الرياض.

موقفان عربيان لهما دلالة قاطعة، موقف مصر وموقف السعودية، ولا تزال الدولتان الشقيقتان محور الأمن القومي العربي في وقت تتكاثف فيه سحب الهوان العربي وتتداعى علينا الأمم.. والحق يفرض علينا الاعتراف بأهمية وسرعة التحرك المصري من خلال النداء العاجل الذي أعلنه الرئيس الأسبق حسنى مبارك من القاهرة، ودعا فيه إلى عقد مؤتمر قمة عربي طارئ، في إطار جامعة الدول العربية، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، ويومها انقسم العرب انقسامًا منذرًا بتدهور شامل، لكن الرؤية القومية الاستراتيجية لم تغب عن مصر والشقيقات في الخليج، كما هي لم تغب حتى الآن ولن تغيب.

حارب الجندي المصري بجوار إخوته من جنود درع الخليج، باحترافية مبهرة، وكانت المقاومة الكويتية قد تشكلت لتقاوم جنود الغزو العراقي، وتمد الجيوش العربية بالمعلومات الحساسة تمهيدًا لعملية التحرير الكبرى.. أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم ٦٧٨ في عام ١٩٩٠ وأمهل الأمريكيون صداما ٤٥ يوما، ولما انتهت وأدرك صدام جدية وخطورة المواجهة، كشفها له جورباتشوف رئيس الاتحاد السوفيتى وقتها، راوغ وأعلن عزمه الانسحاب بعد شهر، لكن بوش الأب قال إنه احتل الكويت في ٤٨ ساعة وعليه أن يخرج منه في ٤٨ ساعة.

لم يخرج وبدأت الحملة الجوية واستمرت لثلاثة أسابيع أعقبتها الحرب البرية، واستسلم الآلاف من الجنود العراقيين.. فدخلت القوات الكويتية طليعة تحرير وطنها ودخلت قوات التحالف العربي والدولي، وشهد الكويتيون مآسي كاملة من الخراب والسلب والنهب وفظائع وأعمال الاغتصاب، ارتكبها جنود عرب ضد إخوتهم العرب في الكويت.. لا نريد إلا رش ملح وتراب وصديد على جرح لعله ينزف حزنًا حتى الآن، لكن من العقل ألا يفقد الناس ذاكرة الألم الجماعى حتى لا يقعوا في مصائد التاريخ ومصائبه من جديد.

القوة الغاشمة وانغلاق العقل، وغياب صدام عن المسرح السياسي العالمى، وسقوطه رهينة لنفاق ومعلومات وإغواءات الحلقة الضيقة التي حاصرت وجدانه وأشبعته بالتسبيح، كانت جميعها الوقود الذي أحرق العراق، وأحرق قلوب الكويتيين والعالم العربي، بسبب صدمة غزو عربي لبلد عربي، وما اقترن به من أهوال.

واليوم، وقد استردت الكويت بأسها وعرشها، فإن المشهد العربى ينذر بما هو أسوأ من صدام، ولا ننسى قط أنه من نتاج تلك الجريمة البشعة في حق الأمن القومي العربي.. اليوم نحن مهددون في الهوية والوجود، وما أحوجنا إلى تجديد التضامن العربي، وهو ما تدركه وتفعله شقيقتان أثرتا على الشعب المصرى، الإمارات والكويت، فتمضيان إلى تنقية الأجواء بين الشقيقتين مصر والسعودية.

إن السادس والعشرين من فبراير ليس فقط عيدًا للشعب الكويتي وحكامه، بل هو عيد مجيد آخر للعسكرية العربية المتحدة وفي القلب منها القوة المصرية في واحدة من أغلى معارك التحرير.. تحرير الكويت.. طراز رفيع من أعمال التضامن والتنسيق والهمة والتخطيط والتنفيذ.. فماذا طرأ علينا وفينا فتشرذمنا ؟!
الجريدة الرسمية