وناس قالت وناس لَطَمِت.. وناس كلامها عجب!

فجأة، يتحدث الكُل عن فتاة اختطفها مجهولون، ناس تقول اختفاء قسرى، وناس تقول اختفاء الأمن من الشارع، وناس تتكلِّم عن كائنات فضائية نزلت من كوكب آخر اختلفوا حول تسميته، بعضهم سماه بولوتو، وآخرون أطلقوا عليه كوكب القرود باين، ولماذا يهبط سُكان بلوتو أو القرود على أرضنا ليخطفوا فتاة من الشرقية؟ أرجوك لا تطرح أسئلة منطقية في وقت ولَّى فيه المنطق الأدبار، وانتحر!

شائعات تتولَّد عنها شائعات، مُعالجات أكثر سوءًا في التوك شو، واحد يقول وقعت في بلاعة، وآخر يؤكد أن داعش خطفتها لأن رجليها قادتها سهوًا إلى شمال سيناء، ويزيد في القول مؤكدًا وريالته تسيل على صدره بغزارة "أصلهم هناك حاكمين البلد، دول بيطلعوا الأتوبيسات.. الأتوبيساااات" ولا تدرى إيه علاقة الأتوبيسات بريـالة حضرته بالضبط، لا سيما وهو يؤكد "ده فيه تهجير قسرى.. قسرررى" وأرجوك لا تسل أبدًا عن علاقة التهجير القسرى بشفط الفتاة، طالما تهجير يعنى مش عاوزين حد، لا أن يشفطوا الناس.. اسكت واعمل نفسك مش واخد بالك، وإلا اتهمك بأنك لا تفهم في حقوق الإنسان!

لا أحد يرحم أهل الفتاة سواء كانت مُذنبة أم بريئة، لا أحد يخرس ويحُط لسانه في فيه، ويتكتم ويكُف عن الفتى شوية كيلا يلقى بالمزيد من الحطب في نار قلوبهم، أومال يشتغلوا على إيه، ويجيبوا إعلانات إزاى؟ لابُد من تأجيج الحريقة، كُلما اشتعلت النار تزايد الاهتمام، وطبعًا الشغل يزيد، والمشاهدين يكتروا، والإعلانات تغلى، علِّى يا عم عليهم وزايد، واحد يقول دى البنت قطعوها 4 حتت، يطلع آخر يرُد ويقول ده كذاب، أنا شوفتهم بعينيا بيقطعوها 12 حتة، والڤيديو بيجهز في المونتاچ، وهنعرضه عليكم!

ويقعد المشاهدين المساكين في انتظار الڤيديو اللى في المونتاج لحد الساعة 7 الصبح، مش راضيين يناموا، ولا يتعشوا، ولا يدخلوا الحمام، خايفين اللقطة تفوتهم، وفجأة المُذيع يقرر إنهاء الحلقة بعد العودة من فاصل إعلانى استمر ست ساعات متواصلة تقريبًا، ويقول لَك "قررنا عدم إذاعة الڤيديو حرصًا على مشاعر المُشاهدين المرهفة"، وقتها يتلقى حضرته جبالًا من السباب والشتائم في حقه وحق أهله وأقاربه حتى الدرجة العشرين، وكذلك جيرانه وجيران جيرانه حتى حدود الصحراء الغربية، مش مُهم، المُهم إنه عمل نسبة المُشاهدة والإعلانات المطلوبة، وكُله على قفا الزبون المسكين!

المُشكلة أننا كمان أصبحنا مُحترفين لإدخال الأمور في بعضها، بالبلدى نحُط عيشة على أم الخير، البعض قال إن حديث أحد نواب البرلمان عن زيادة فترة بقاء الرئيس في منصبه إلى ست سنوات هو السبب، طيب ليه يا عم الحاج، وما العلاقة؟ قال لَك ما هُما عملوا كدة علشان الناس تنسى سيارات مجلس النواب، وهو موضوع أثاره نائب عايز يشتغل على طريقة سيب وأنا أسيب، طيب علاقة كُل ده بده إيه؟ يرُد: هو كده وخلاص، إنت إيش فهّمك في السياسة؟!

وواحد يطلع يحاكم مجلس النواب في برنامجه المسائى، مُعلنًا تضامنه مع نائب طرده المجلس بأغلبية ساحقة لأسباب مُعلنة لا خفية ولا متوارية، يقول إن المجلس مُخطئ، وأن هذه ليست ديمقراطية، هو طبعنا ولن نشتريه، ما لم يعجبنا كأقلية هو ضد الديمقراطية التي وافقت عليها الأغلبية، يقول لك عاوزين مجلس لإتمام مؤسسات الدولة، وبعدين لما المجلس يتخذ قرار ـ أي قرار ـ بأغلبية، يقول لك مينفعش وهذا ضد الديمقراطية، إذن الديمقراطية هي خازوق مقبول ما دُمت قادرًا على منحه للآخرين فقط، أما قُدرتهم على منحك إياه فهو قهر وتعسُّف ورجعية، لمُجرَّد إنه رجع ليك تانى، أرجوك إياك تتكلم وإلا سيواجهك مُحتدًا ويقول لَك: وإنت إيش فهمَك في الخوازيق؟!

وتلاقى مانشيتات طالعة ونازلة بالبونط الأحمر، حقيقة اختفاء الفتاة، بالصور انظر كيف تحوَّل إبريق شاى من الخزف إلى قمر صناعى في بنجلاديش، طيب ده ماله ومال موضوعنا يا سيدى؟ يقول لك إنت إيش فهمك إنت في أباريق الشاى؟!

طيب ماذا بعدما تم الكشف عن أن الفتاة هربت بمزاجها، وهى أصلًا متجوزة عرفى، وإنها بتقول إن رواية والدها كاذبة حول اختفائها قسرًا عن طريق بلطجية أو عفاريت زُرق كما انتظرنا أن تخبرنا مُذيعة العفاريت اللى معاها توكيل الشغلانة كما نعلم؟ أبدًا، هتلاقى ناس بتقول إن الحكاية سياسية؛ لأن الزواج الشرعى الرسمى أبو مأذون واتنين شهود ودقوا المزاهر يالله يا أهل البيت تعالوا لم يعُد بإمكان أحد، وسعر الدولار (إنت إيش فهمك في الاقتصاد؟)، وفساد المحليات، والزيوت المُسممة في مصانع الشيبسى، وانهيار الكوبرى الخشب اللى معمول أيام الخديو (إسماعيل) فوق ترعة تاج في كفر البلوط علشان تعدى من عليه بهايم (أبوسالم) العصر وهى راجعة من الغيط، طيب ده علاقته إيه بكون البنت مختفية بمزاجها ومع جوزها؟ يقول لَك إنت إيش فهمَك في البهايم؟ طيب وربنا معاك حق يا عم!