رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. العالم في رحاب الأزهر.. الإمام الأكبر يوحد صف قيادات الإسلام والمسيحية في مواجهة الإرهاب.. «المواطنة» بديلًا لمصطلح «الأقليات».. ويعلن 6 مبادئ لشراكة متجددة يسودها التفاهم

فيتو

كنانة الله في أرضه كانت حاضرة بقوة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، حيث لبى قيادات الديانتين الإسلامية والمسيحية في حدث تاريخي دعوة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، وحضروا إلى القاهرة وفودًا يمثلون 50 دولة للمشاركة في وقائع جلسات مؤتمر: «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل» الذي يهدف إلى تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في العالم.


كلمة تاريخية
المؤتمر بدأ جلسته الافتتاحية بكلمة تاريخية رحب خلالها الإمام الأكبر، بضيوف مصر؛ معربًا عن سعادته بهذا المؤتمر البالغ الأهمية والذي يعقد في ظروف استثنائية تمر بها المنطقة العربية والعالم كله؛ مضيفًا: «بعد أن اندلعت نيران الحروب في منطقتنا العربية والإسلامية دون سبب معقول أو مبرر منطقي يتقبله إنسان القرن الواحد والعشرين، ومن المحزن والمؤلم تصوير الدين في هذا المشهد البائس وكأنه السبب في إضرام هذه الحروب».


وأبدى الإمام الأكبر، دهشته من الزج باسم الإسلام في العمليات الإرهابية؛ قائلًا: «زين لعقول الناس وأذهانهم أن الإسلام هو أداة التدمير التي انقضت بها جدران مركز التجارة العالمي، وفجر مسرح الباتكلون، ومحطات المترو، وسحقت بتعاليمه أجساد الأبرياء في مدينة نيس وغيرها من مدن الغرب والشرق؛ إلى آخر ما نأسى له من هذه الصور الكارثية التي تزداد اتساعًا وظلامًا مع تنامي التطرف وتقلص الحيز الصحيح في فهم حقيقة الدين الإسلامي والأديان الإلهية كلها التي تصطدم اصطدامًا مباشرًا بكل التفسيرات المغشوشة التي تخطف بها النصوص المقدسة لتصبح في يد القلة المجرمة الخارجة عليها، وكأنها بندقية للإيجار تشعل النار لمن يدفع الثمن المطلوب من سماسرة الحروب وتجار الأسلحة ومنظري فلسفات الاستعمار الجديد».


التخوين والتكفير
وتابع شيخ الأزهر في كلمته؛ «حسبك أن تمعن النظر في هذه الشرذمة وفي أمرها العجيب، حين تجدها ترفع راية واحدة هي راية الإسلام ثم لا تلبث أن يهاجم بعضها بعضًا بالتخوين والتكفير والخروج من الملة؛ لتعلم أن القضية برمتها ليست من الدين لا في كثير ولا قليل، وأن المسألة هي توظيف الإسلام في هذه الدماء توظيفات شتى تذهب فيه من النقيض إلى النقيض وأمر آخر يضع أيدينا على مكمن الزيف في هذه الدعوات الدموية هو أن المهمة عند أصحابها لم تكن مهمة تصويب لدين زعموا أنه انفرط عقده وأن عليهم تصويبه وتصحيحه في إطار من الاجتهاد النظري والتجديد الفكري بل المسألة عندهم هي مسألة أرواح تزهق ودماء تهدر وتجري كالأنهار واجتراء على منجزات الإنسان وهدمها حيثما كانت ومتى قُدر على تدميرها».



ورفض الإمام الأكبر ما يسمى بظاهرة «الإسلاموفوبيا»؛ قائلًا: «المتأمل المنصف في هذه الظاهرة لا تخطئ عيناه هذه التفرقة اللامنطقية أو هذا الكيل بمكيالين بين المحاكمة العالمية للإسلام من جانب وللمسيحية واليهودية من جانب آخر رغم اشتراك الكل في عريضة اتهام واحدة وقضية واحدة هي قضية العنف والإرهاب الديني؛ فبينما مر التطرف المسيحي واليهودي بردًا وسلامًا على الغرب دون أن تدنس صورة هذين الدينين الإلهيين إذا بشقيقهما الثالث يحبس وحده في قفص الاتهام وتجري إدانته وتشويه صورته حتى هذه اللحظة».



مصدر الحروب
وأشار إلى أنه: «ما قصدت بهذه الكلمات أن أعيد فتح جراح بين الإنسان وأخيه الإنسان فما هذه رسالة الأديان ولا الأزهر الشريف ولا الشرق المتسامح ولا الغرب المتحضر المتعقل، ولكن أردت أن أقول إن الإسلاموفوبيا إذا لم تعمل المؤسسات الدينية في الشرق والغرب معًا للتصدي لها فإنها سوف تطلق أشرعتها نحو المسيحية واليهودية عاجلًا أم آجلًا، ويومها لن تنفع الحكمة التي تقول: أكلت يوم أكل الثور الأبيض؛ فالمتربصون بالأديان من الملحدين، والمعلنون موت الإله، والمروجون للفسلفات المادية، والداعون لإباحة المخدرات وتدمير الأسرة وإحلال نظام الجنس الاجتماعي بديلًا عنها وقتل الأجنة في بطون أمهاتها والتشجيع على الإجهاض وحق التحول إلى ذكر أو أنثي حسبما يريد المتحول، والعاملون على إحلال العولمة محل القوميات، كل هذه الدعوات وغيرها قادمة بقوة وتعلن بصراحة أن الدين هو أول ما ستكتسحه في طريقها لأنه في نظرهم مصدر الحروب».


واختتم الإمام الأكبر خطابه التاريخي؛ مؤكدًا أن: «تبرئة الأديان من الإرهاب لم تعد تكفي أمام هذه التحديات المتوحشة فهناك خطوة أخرى يجب علينا أن نبادر بها وهى النزول بمبادئ الأديان وأخلاقياتها إلى هذا الواقع المضطرب، وهذه الخطوة تتطلب تجهيزات ضرورية أولها: إزالة ما بين رؤساء الأديان وعلمائها من بقايا توترات وتوجسات لم يعد لوجودها الآن أي مبرر؛ فما لم يتحقق السلام بين دعاته أولًا لا يمكن لهؤلاء الدعاة أن يمنحوه للناس.. والأزهر حين يدعو إلى نشر مفهوم المواطنة بديلًا عن الأقليات فإنما يدعو إلى مبدأ دستوري طبقه نبي الإسلام على أول مجتمع مسلم في التاريخ وهو دولة المدينة حين قرر المساواة بين المسلمين وبين اليهود باعتبار الجميع مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات». 



نشر المحبة
ومن جانبه قال البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، إن الإنسانية في وقتنا الراهن بحاجة إلى نشر المحبة وإقرار السلام الحقيقي، وتابع: «ما زالت مصر والعالم العربي تعاني من الإرهاب والتطرف والفهم الخاطئ للدين».



وأضاف خلال كلمته بمؤتمر «الحرية والمواطنة»، أن الإرهاب له عدة أوجه منها الإرهاب بالمتفجرات والإرهاب الفكري، والإرهاب المعنوي، قائلا: «إن أسباب هذا التطرف والعنف قائم على التربية الخاطئة، والذات الطائفية وعدم احترام ثقافة الآخر، فلا يحترم الآخر حتى في حريته الشخصية»؛ مشيرًا إلى أنه يجب تقديم القيم الدينية بشكل مستنير فالفكر المتطرف يمكن مواجهته، مؤكدًا أن الدين حل للمشكلة وليس جزءا منها، فالمسيحية جوهرها المحبة.



العيش المشترك
كما أكد الأب رفعت بدر رئيس المركز الكاثوليكي للإعلام في الأردن، أن المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني أصدر وثيقة تعد "ثورة وثروة" فهي ثورة على الصورة القاتمة للدين، والتي كان يميزها الانغلاق، والانحسار في الشئون الروحية والعقائدية، تبين الجائز والمحّرم عقائدًيا وأخلاقًيا.


وأضاف:« إننا جئنا اليوم للحديث عن أكثر من خمسين عامًا ماضية، بما حملت في طياتها من تغيرات سياسية واجتماعية، سلبا أو إيجًابا، مستعرضًا العديد من التجارب والمبادرات المسيحية الداعية للسلام ونشر ثقافة المواطنة والعيش المشترك».



التحديات الراهنة
وأضافت الدكتور لبنى القاسمي، وزيرة التسامح بدولة الإمارات العربية المتحدة، إنه يسرها أن تشارك في هذا المؤتمر الذي تعول عليه في إيجاد حلول للتحديات الراهنة، والإسهام إيجابا في تحقيق المواطنة الحقة، وتكريس مبدأ الدولة الوطنية في صون الحريات، وتعزيز التسامح والتعايش والسلام، وحماية التنوع والتكامل، واحترام الأديان والثقافات التي تشكل عالمنا الواحد.



بينما أشار الدكتور محمد السماك، عضو مركز الملك عبد الله بين الأديان والثقافات، إلى إن الإسلام يقضي بوحدة الإنسانية وتنوعها، ويرسي أسسًا ومبادئ لاحترام التنوع والتعدد، موضحا أن الله سبحانه خلق الناس جميعًا من نفس واحدة تأكيدًا للمساواة بينهم، ثم جعلهم أممًا وشعوبًا متعددة الألسن، مختلفة الألوان والأجناس متنوعة الشرائع، ولو شاء غير ذلك فإنما يقول له كن فيكون، مشيرًا إلى أن وثائق الأزهر الشريف جاءت لتؤكد هذه الثوابت التي تقوم عليها الدولة الوطنية التي تحترم الدين وحرية العبادة والتي تصون في الوقت ذاته هوية الجماعات المتعددة.



كما أضاف المطران بولس مطر، رئيس أساقفة بيروت، أن العلاقة الدينية بين المسلمين والمسيحيين هي علاقة احترام متبادل للعقائد؛ مؤكدًا أن الإسلام منذ زمن الخلفاء الراشدين، جعل من العدل قيمة أساسية، فصار الخليفة عمر بن الخطاب رمزًا لهذه العدالة المقامة بين الناس، دون تفرقة بين المسلمين والمسيحيين.



وأكد أن «العيش المشترك والمواطنة الكاملة بين المسلمين والمسيحيين في بلداننا هو ما سنحيا عليه، وهو طريقنا إلى الحياة، التي تليق بنا على أرض الرسالات والديانات والأنبياء، مشيرا إلى أن إرساء قيم التعايش والمواطنة عمل حضاري يجب تشجيعه والحفاظ عليه».



واجبات ضرورية
وقال على الأمين، عضو مجلس حكماء المسلمين، إن التعاون بين أفراد المجتمع أخذ حيزًا مهمًا في الشريعة الإسلامية، ولأهميته، فقد اعتبرته الشريعة مبدأ من مبادئها، وواجبًا من الواجبات الضرورية لانتظام أمر المجتمع، كما يشير إليه قول الله تعالى: «وتعانوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».



وأضاف أن «المواطنة ليست شعورًا وإحساسًا فحسب، لكننا نحتاج إلى تحويل هذا المفهوم إلى ممارسة، وإلى قانون حتى يتحول إلى سلوك يحكم حياتنا، لافتًا إلى أن مجتمع المدينة المنورة في عهد الرسول "صلى الله عليه وسلم"، يعتبر مثالًا واضحًا للاهتمام بعنصر سلامة العلاقات الداخلية بين أفراد المجتمع، وهو ما عبّرت عنه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، بإصلاح ذات البين، الذي يعني العمل على إزالة أسباب الفرقة والاختلاف، التي تهدد وحدة المجتمع، بالتفكك والانقسام»، مشيرًا إلى أن الإصلاح عند وقوع الخلل، والفساد الذي يهدد السلامة العامة للمجتمع، ينبغي أن يقوم على العدل، وأن المجتمع سيفقد عنصر الاستقرار، إذا قامت عملية الإصلاح على المجاملة، والأخذ بمنطق الغلبة.



الفكر الوسطي
وأكد الشيخ سعيد عقيل سراج رئيس جمعية نهضة العلماء الإندونيسية، أن الأزهر الشريف قلعة للفكر الوسطي والعالم كله يقدر دوره في القضاء على الإرهاب والفكر المتشدد، مضيفا أن الذي علمنا أن الإسلام هو دين الوسطية والتسامح والرحمة والمحبة وأنه يرفض الكراهية والعداوة هم علماء الأزهر.



وأضاف الدكتور أحمد حسن الطه، عضو الهيئة العليا بالمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء ببغداد، أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، مهمته عظيمة وشريفة، متابعا: «فضيلة الإمام شعر بما وصل إليه حال الأمة العربية والإسلامية من تناحر، واستبدال ثقافة الحوار بالعنف، الذي كانت نتائجه سفك العربي لدماء أخيه العربي؛ ولذلك جاءت التحركات والجهود الحثيثة من قبله؛ لرأب الصدع، وتوحيد الصف من جديد».



وأوضح الشيخ أحمد قبلان، ممثل المجلس الشيعي الأعلى في لبنان؛ أن الأفكار المغلوطة والمنحرفة التي تدعو إلى القتل والقضاء على الآخر لا يقلبها كل العقلاء سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين أم بوذيين أو أتباع أي ديانة أو مذهب آخر، مضيفا: «الذي يرضي الله سبحانه وتعالى أن نتواصل مع بعضنا وننبذ العنف ونقفل كل مدارسنا التي تحرض على العنف والقتل والاعتداء على الآخرين، ونعلنها من القاهرة أننا نريد التواصل لأنه سبيل حل الكثير من مشاكلنا في عالمنا العربي والإسلامي».



إلغاء الرعاية
وأشار الدكتور نور الدين باشا، ممثل جمهورية جزر القمر؛ إلى أن تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في العالم يرتكز على عدة آليات اتفق عليها ممثلي 50 دولة حضروا المؤتمر، أولها: أن يكون هناك تعاون نزيه ومخلص ومشترك بين الطرفين؛ مؤكدًا: «يجب أن يتعاون المسلمين والمسيحيين ويبذلون أقصى جهد لتحقيق التعايش السلمي؛ لأننا جميعًا مستهدفون في منطقتنا وعندما يصاب أي طرف في الوطن فالطرف الآخر أيضًا مصاب، والآلية الثانية: «تتمثل في توصية المؤتمر بإلغاء ما يسمى بالرعاية واستبدالها بالمواطنة، وأيضًا إلغاء مصطلحي الأكثرية والأقلية لصالح المواطنة؛ فكل منا مواطن سواء كان ينتمي إلى أقلية أو أكثرية دينية أو عرقية».



وأكد «باشا»؛ أن الآلية الثالثة من آليات تحقيق التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين في العالم، هي أن: «الوطن هو الذي يجمع الكل وتبقى الحيثيات الأخرى من اختلاف في الدين أو الفكر أو الفئة خصائص فردية؛ للإنسان أن يمارسها حسبما يريد»؛ أما الآلية الرابعة فهى: «ضرورة تكافؤ الفرص بين أبناء المجتمع الواحد وأن يعامل كل شخص على أساس إنسانيته وليس انتمائه إلى الإسلام أو المسيحية».



وأضاف الدكتور أحمد حسن الطه، عضو الهيئة العليا بالمجمع الفقهي العراقي لكبار العلماء للدعوة والإفتاء ببغداد، أن الدور التنويري للأزهر الشريف لا ينكره عاقل، وكذلك دعوات إمامه الأكبر المستمرة للمسلمين والمسيحيين، تؤكد أن الأزهر يقوم وبقوة بأداء دوره الريادي تجاه العالمين العربي والإسلامي؛ مؤكدًا أن الله تعالى أرسل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم؛ لينشر السلام والمحبة بين الناس، ويدعوهم إلى سعادة الدارين، ومن منطلق الرسالة المحمدية السمحة، يجب أن تكون تعمل المراكز العلمية على تحديد مشكلات المجتمعات، ثم توصيف الدواء.



إعلان الأزهر
وفي الجلسة الختامية للمؤتمر أكد الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أن أنعقاد هذا المؤتمر جاء استجابة للاحتياجات المتجددة التي تتطلع لتحقيقها مجتمعاتنا العربية ومواجهة للتحديات التي يتعرض لها الدين والمجتمع والدول الوطنية، وإدراكا للمخاطر التي تتعرض تجربة التعددية الدينية الفريدة في مجتمعاتنا ومجالنا الحضارى ومتابعة للجهود والوثائق والمبادرات المنفردة والمشتركة التي قام بها الأزهر في العالم العربى في السنوات الماضية وانطلاقًا من الإرادة الإسلامية - المسيحية المصممة على العيش المشترك، ورفض التطرف، وإدانة العنف والجرائمِ التي ترتكب باسم الدين، وهو منها براء.



وأضاف شيخ الأزهر؛ أن المجتمعين توافقوا على إصدار "إعلان الأزهر" الذي تضمن البنود التالية:

أولًا: إن مصطلح "المواطنة" هو مصطلح أصيل في الإسلام، وقد شعت أنواره الأولى من دستور المدينة وما تلاه من كتب وعهودٍ لنبي الله - صلى الله عليه وسلم - يحدد فيها علاقة المسلمين بغير المسلمين، ويبادر الإعلان إلى تأكيد أن المواطنة ليست حلا مستوردًا، وإنما هو استدعاء لأول ممارسة إسلامية لنظام الحكم طبقه النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي أول مجتمعٍ إسلامي أسسه، هو دولة المدينة.


ثانيًا: إن تبني مفاهيم المواطنة والمساواة والحقوق يستلزم بالضرورة إدانة التصرفات التي تتعارض ومبدأ المواطنة، من ممارسات لا تقرها شريعة الإسلام، وتنبني على أساس التمييز بين المسلم وغير المسلم، وتترتب عليها ممارسات الازدراء والتهميش والكيل بمكيالين، فضلًا عن الملاحقة والتضييق والتهجير والقتل، وما إلى ذلك من سلوكيات يرفضها الإسلام، وتأباها كل الأديان والأعراف.


ثالثًا: نظرًا لما استشرى في العقود الأخيرة من ظواهر التطرف والعنف والإرهاب التي يتمسح القائمون بها بالدين، وما يتعرض له أبناء الديانات والثقافات الأخرى في مجتمعاتنا من ضغوط وتخويف وتهجير وملاحقات واختطاف، فإن المجتمعين من المسيحيين والمسلمين في مؤتمر الأزهر يعلنون أن الأديان كلها براء من الإرهاب بشتى صوره، وهم يدينونه أشد الإدانة ويستنكرونه أشد الاستنكار.


رابعًا: إن حماية المواطنين في حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم وسائر حقوق مواطنتهم وكرامتهم وإنسانيتهم، صارت الواجب الأول للدول الوطنية التي لا يصح إعفاؤها منها؛ صونًا لحياة المواطنين وحقوقهم، ولا ينبغي بأي حال من الأحوال مزاحمة الدولة في أداء هذا الواجب، أيًا كان نوع المزاحمة.


خامسًا: لقد بذلنا جميعًا - مؤسسات وأفرادًا - في السنوات الأخيرة جهودًا للمراجعة والتصحيح والتأهيل والتأصيل، ونحن - مسلمين ومسيحيين - محتاجون للمزيد من المراجعات من أجل التجديد والتطوير في ثقافتنا وممارسات مؤسساتنا.


سادسًا: إن طموح الأزهر ومجلس حكماء المسلمين من وراء هذا المؤتمر هو التأسيس لشراكة متجددة أو عقد مستأنف بين المواطنين العرب كافة، مسلمين ومسيحيين وغيرهم من ذوي الانتماءات الأُخرى، يقوم على التفاهم والاعتراف المتبادل والمواطنة والحرية، وما نذهب إليه في هذا الشأن ليس خيارًا حسنًا فقط؛ بل هو ضرورة حياة وتطور لمجتمعاتنا ودولنا وإنساننا وأجيالنا.


واختتم الإمام الأكبر؛ الإعلان قائلا إن المجتمعين مسلمين ومسيحيين، يجددون عهود أُخوتهم، ورفضهم أية محاولات من شأنها التفرقة بينهم، وإظهار أن المسيحيين مستهدفون في أوطانهم، ويؤكدون أنه مهما فعل – ويفعل – الإرهاب بيننا في محاولة للإساءة إلى تجربتنا المشتركة، واستهداف مقومات الحياة في مجتمعاتنا لن ينال من عزيمتنا على مواصلة العيش الواحد وتطويره والتأكيد على المواطنة فكرًا وممارسة.
الجريدة الرسمية