التراث وتجديده
إن قضية التجديد قضية مهمة وحيوية ويجب أن توضع أمام الأعين، وفى الواقع نجد دعوات تنطلق في الهواء الفارغ بدراسة التراث دراسة عميقة وتنقيته من الشطحات اللا معقولة، ونجد في النهاية، يقف العقل أمام محددات في سياق الأيديولوجيات الشخصية ويميل إلى تأييد التراث بكل إيجابياته وسلبياته ونقف محلك سر، وأتذكر قول المفكر زكى نجيب محمود الذي كانت قضية تجديد الفكر العربى شاغله الشاغل، حيث يقول في كتابه "قصة العقل": "لقد قرأت ما قرأته من التراث العربى ليكون حُكمى عليه قائمًا على معايير عصرنا نحن من حيث انتفاع الناس به وعدم انتفاعهم، وإننى قرأت ما قرأته من التراث العربى قراءة مثقف يعيش في القرن العشرين، ويتنفس في مناخ حضارى له خصائصه ومقوماته ويريد أن يرى الحل موصولًا بينه وبين أسلافه لكنه في الوقت نفسه يشعر بأنه كل ما عاشه أولئك الأسلاف صالح له هو ولزمانه فقط".
وأرى في سياق ذلك وفى سياق الموضوعية والعقلانية أن المعيار الذي على أساسه نقبل موقف أو نرفض موقف آخر من التراث هو معيار العقل وأحكامه وروح العصر الذي نعيش فيه وحضارته؛ أي نقف بين قضية الأصالة والمعاصرة؛ أي التجديد بين الأصالة والمعاصرة نقف موقفًا أخلاقيًا وعقليًا لإصلاح الفكر وبالتالى تجديده؛ لما له من آثار إيجابية على المجتمع وتقدمه.
وفى الحقيقة لابد أن يتبنى هذه القضية المثقفون ولا تكون مجرد ندوات لمجموعة تسمع بعضها البعض، بل لابد من الإيمان بضرورة اللجوء إلى العقل وإلى العلم وإلى النقد الموضوعى.
وفى الفلسفة نعرف أن الإنسان حيوان ناطق وعاقل ومفكر؛ أي يشترك مع الحيوان في معظم الصفات البيولوجية ولكن الله ميزه بالعقل والتفكير والإرادة، ليستثمر هذه الوزنة في خدمة الإنسانية؛ ولذا فأدوات التجديد لمن ينادى بها ولا يعلمها هي الاعتماد على العقل والدور المهم للمنطق في اتجاه التجديد؛ بل الاعتماد عليه كأداة للمعرفة والتمييز والإدراك؛ ولذا أقولها يجب حل مشكلة الأصالة والمعاصرة في كيفية تجديد الفكر والبحث في أفضل الصيغ لمواكبة العصر بما لا يتعارض مع الحضارة والدين والتاريخ.