رئيس التحرير
عصام كامل

الأزهر والفاتيكان يدعوان العالم لـ«نشر المحبة والسلام».. «شومان»: الإمام الأكبر يجوب الدنيا لإقناع الساسة بتبني ثقافة الحوار الجاد.. حريصون على التواصل مع الجميع.. والمشيخة قلعة ال

فيتو

أكد الدكتور عباس شومان، وكيل مشيخة الأزهر الشريف؛ أن جوهر رسالة الإسلام يتلخص في كونها تحمل الخير والسلام للإنسانية جمعاء، مشيرًا إلى أن الأزهر يمثل القلعة العلمية العالمية التي تعمل على نشر الوسطية والاعتدال، وأن علماءه يبذلون جهودًا حثيثة على كافة الأصعدة داخل مصر وخارجها من أجل أن ينعم العالم بالأمن والسلام وسيادة قيم التسامح ونبذ العنف وقبول الآخر والعيش المشترك؛ خاصة في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البشرية.


مرجعية الأزهر
وأوضح «شومان»؛ خلال كلمته في افتتاح أعمال ندوة: «دور الأزهر والفاتيكان في مواجهة ظواهر التعصب والتطرف والعنف»، التي انطلقت فاعلياتها صباح اليوم وتختتم مساء غد الخميس، بمقر مشيخة الأزهر الشريف بالدراسة؛ بالتعاون بين مركز حوار الأديان بالأزهر والمجلس البابوي للحوار بين الأديان بدولة الفاتيكان، إن هناك بعض الثوابت التي تمثل مرجعية للأزهر الشريف، أولها: أن الإسلام دين يحترم كل الديانات والرسالات، ويقدر ثقافة الشعوب والأمم المختلفة، قائلًا: «إسلام المرء لا يكون صحيحًا إلا إذا آمن بالرسالات السماوية جميعًا؛ مصداقًا لقول الله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}.

وأضاف؛ أن الإسلام يأمر أتباعه بالبر والقسط لمن خالفهم في العقيدة؛ حيث يقول الله تعالى: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}؛ مؤكدًا أن ثاني الثوابت التي تمثل مرجعية للأزهر الشريف، هي أن اختلاف الدين لا يسوِغ ظلم الآخر أو التضييق عليه أو تحقيره أو التقليل من شأنه، والمسلم وغير المسلم في ذلك سواء.

المسلمون والمسيحيون
وأشار إلى أن الإسلام أرسى علاقة خاصة بين المسلمين والمسيحيين، فأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وأفعاله الواردة في كتب الحديث والسير والتي توصي بمعاملة غير المسلمين معاملة حسنة، أكثر من أن يتسع لها هذا المقام، ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم: (اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ).

وأكد؛ ثالث الثوابت التي تمثل مرجعية للأزهر الشريف، أن علماءه حريصون كل الحرص على التواصل مع غير المسلمين داخل مصر وخارجها، وكذلك تبادل الرؤى والأفكار معهم بما يحقق الأمن والسلام للبشرية كافة؛ قائلًا: «خير شاهد على ذلك تلك التجربة المصرية الفريدة المتمثلة في «بيت العائلة» والتي أصبحت نموذجًا يُحتذى به في العالم أجمع؛ لما حققته من إنجازات ونجاحات، وكذلك مركز حوار الأديان الذي تنظم هذه الندوة الفكرية الراقية تحت مظلته، إضافة إلى الجولات العالمية التي قام بها فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ومنها زيارته التاريخية للفاتيكان ولقاؤه قداسة البابا فرانسيس».

أقوال الجهلاء
وأضاف؛ رابع الثوابت التي تمثل مرجعية للأزهر الشريف، أنه يرفض رفضًا قاطعًا أي أقوال أو أفعال تصدر عن بعض الجهلاء أو أصحاب المصالح والأهواء بما يؤدي إلى تأجيج الفتن، وإذكاء النعرات العرقية أو الطائفية أو المذهبية، وإشعال فتيل الحقد والكراهية بين أبناء الوطن الواحد، موضحًا أن التعددية واختلاف الناس لغة وفكرًا وثقافةً وعقيدةً، طبيعة إنسانية ومبدأٌ مقرر في الشريعة الإسلامية؛ حيث يقول تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.

وأشار؛ إلى أن هناك عوامل كثيرة أدت إلى انتشار ظاهرة العنف والتطرف، منها عوامل فكرية وأخرى تعليمية وغيرهما اقتصادية واجتماعية وسياسية، وجميعها أسهمت في خلق بيئة خصبة لجماعات التطرف والإرهاب التي يعاني العالم من شرورها اليوم، مؤكدًا أن: «جماعات التطرف والإرهاب فهمهم سقيم لنصوص الأديان والرسالات؛ حيث تجدهم يجتزئون النصوص ويؤولونها بما يوافق أغراضهم الخبيثة التي لا يقرها دين صحيح ولا يقبلها عقل سليم، وهذا نابع من انتهاجهم سياسة تكفير المجتمعات بدءًا من الحكام حتى الأهل والأقارب، أملًا في حمل المجتمعات على اعتناق أفكارهم بالقوة، ولذلك أنا أتساءل: أين هؤلاء من قول الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}».

جرائم العنف
وتابع؛ إنه من المؤلم أن ترتكب كثير من جرائم العنف والتطرف باسم الأديان، وهو الأمر الذي استغلته بعض الأبواق والمؤسسات الإعلامية أسوأ استغلال، وشوه به بعض المنتفعين مسلمين وغير مسلمين صورة الإسلام على وجه التحديد، فقدموه للعالم بحسبانه دينًا همجيًا متعطشًا لسفك الدماء وقتل الأبرياء، جاهلين أو متجاهلين بقول الله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وكذلك ناسين أو متناسين ما يرتكب من جرائم كراهية وعنصرية ضد المسلمين لمجرد الاسم أو المظهر، في حين أنهم أولى بتسليط الضوء عليهم على أنهم ضحايا؛ إذ إن ما يرتكب بحقهم من جرائم يندى لها الجبين لمجرد الهوية الإسلامية وهو ما يعطي للمتطرفين الفرصة لجذب مزيد من المؤيدين بحجة اضطهاد المسلمين».

وأوضح؛ أن العالم اليوم أمام تحديات جسام توجب على الجميع أن يعلوا من ثقافة الحوار البناء من أجل حماية الشباب وإبعادهم عن الانضمام لتلك الحركات التي تدمر الفكر قبل العمران، خاصة في ظل ما يعيشه العالم اليوم من اضطراب وحروب مشتعلة هنا وهناك بسبب انتشار موجات الغلو والتطرف وأحداث العنف التي ألقت بظلالها على كثير من الدول، خاصة في المنطقة العربية والإسلامية التي يكاد ينعدم فيها الأمن ويتلاشى الاستقرار؛ حيث انتشر فيها القتل والتدمير والخراب بوحشية لم يعرفها التاريخ من قبل.

السلام والأمن
وأكد؛ أنه «إذا أردنا أن يسود العالم سلامًا وأمنًا حقيقيين، فعلى الذين يملكون القوة أن يمتلكوا في الوقت ذاته الإرادة لإنقاذ العالم من الدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، وأن يتحملوا مسئولياتهم تجاه ذلك كله، وأن يتوقفوا عن فرض الوصاية على غيرهم بالقوة، وأن يكفوا عن استخدام سياسة الكيل بمكيالين، وانتهاج التمييز المقيت في التعامل مع الآخر، تلك المعاملة تولد الضغائن والأحقاد والشعور بالقهر والكراهية، وهو الأمر الذي يغذي شهوة الانتقام».

وأشار إلى أن أحلام التوسع وبسط النفوذ الديني أو العرقي أو الطائفي بإشعال الحروب وإحداث الفتن هنا وهناك، لن تحقق غايةَ صانعيها، ولن تخلف إلا مزيدًا من الدمار الإنساني والتراجع الحضاري، والأجدى من ذلك والأنفع للبشرية هو العمل في ضوء المشتركات الإنسانية التي لا تختلف بين الديانات المتعددة ولا بين المذاهب في الدين الواحد.

ثقافة الحوار
وأوضح؛ أن الأزهر الشريف وشيخه الإمام الأكبر الذي يجوب الدنيا شرقًا وغربًا، لا يألو جهدًا من أجل إقناع السياسيين وصناع القرار العالمي بتبني ثقافة الحوار الجاد لنزع فتيل الأزمات وحل المشكلات العالقة والناشئة، بديلًا عن استخدام القوة المسلحة التي تؤجج الصراعات وتوسع ثقافة الكراهية وتغذي روح الانتقام، قائلًا: «الإمام الأكبر يرحب دائمًا بالتعاون المثمر والتواصل البناء مع أحرار العالم أفرادًا ومؤسسات في الشرق والغرب، وفي مقدمتها الفاتيكان، وذلك من أجل إرساء هذا المبدأ العظيم، ولعلكم تتابعون ما يقوم به الأزهر الشريف من جهود حثيثة على المستويات كافة لنشر الفكر الوسطي المعتدل، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والحد من الفقر والجهل اللذين يمثلان عاملًا مهمًا من عوامل استقطاب الشباب للانخراط ضمن جماعات التطرف والغلو».

واختتم «شومان»؛ كلمته في افتتاح أعمال ندوة: «دور الأزهر والفاتيكان في مواجهة ظواهر التعصب والتطرف والعنف»، بالتأكيد على أن العالم في حاجة ملحة إلى العمل الجاد لتصحيح صورة الأديان لدى الشباب، وتعزيز العلاقات فيما بين الدول وبعضها، موضحًا: «يمكننا أن ندعم هذا التوجه من خلال المؤسسات العلمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، والتأليف المشترك باللغات المختلفة، بما يجيب عن تساؤلات الشباب، ويقترب من أفكارهم، ويعالج القضايا الجدلية المثارة بين أتباع الأديان، ويزيل اللبس والإبهام الذي يجول في خواطرهم من أثر الشبهات، من أجل بناء جسور متينة من التواصل والتفاهم المشترك دون أن يعني ذلك محاولة فرض فكر بعينه أو عقيدة بعينها، فمن شاء بعدُ فليؤمن ومن شاء فليكفر».
الجريدة الرسمية