الدولة في شرقنا التعيس
تعلمنا منذ نعومة أظافرنا أن الدولة هي مجموعة من الأفراد يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافي محدد ويخضعون لنظام سياسي معين متفق عليه فيما بينهم، وتشرف الدولة على أنشطة سياسية، اقتصادية، واجتماعية تهدف إلى تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى حياة الأفراد فيها.
بالطبع تختلف الأنظمة السياسية في الشكل والمضمون (مَلَكْي، جمهوري، كونفيدرالي).. ولكن يظل مفهوم الدولة والوطن كما سبق بل تظل مسئولية الدولة هي إقامة الأنشطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بهدف تقدمها وازدهارها وتحسين مستوى الأفراد فيها "المواطنين" مهما اختلفت انتماءاتهم، والمعيار الوحيد لانتماء المواطن للدولة والاستفادة من الرقي والازدهار هو معيار الجنسية فقط.
وأما في شرقنا التعيس تختلف مسئولية الدولة والأنظمة الحاكمة تجاه مواطنيها فالدولة ليس من مسئولياتها تحقيق العدالة والتقدم والازدهار فقط إنما تتخذ مسئولية والتزام آخر تجاه رعاياها..
حماية الدين..
دستور الدولة به مواد تنُص على أنها دولة لها دين فتحتوي معظم دساتير دول المنطقة على نصوص تحوي في طياتها أن الدولة تتبع دينا معينا... وتتحفز كل أجهزة الدول الشرق أوسطية لحماية هذا الدين تارة بالمطوعين، وأخرى بأجهزة أمنية وعقابية.. فالمسئولية الأولى للدولة هي حماية الدين، وليست حماية المواطنين.. وانطلاقًا من أن الدولة لها دين!! أصبح معيار الجنسية ليس هو الأهم إنما الدين هو الأهم، ولذلك أصبحت حياة المواطن في منطقتنا التعيسة تستباح بل أيضًا مصدر رزقه، ومسكنه، انطلاقًا من معيار أن الدين هو الذي يحتل الصدارة في اهتمامات الدولة وعليه طبقًا للدساتير الشرق أوسطية المواطن المسلم هو الأهم ثم يأتي ذوي الأديان الأخرى بعده في الترتيب... أضف إلى ذلك أن هناك قوانين هدفها الأول التنكيل بمن يخرج عن السرب.
التقدم والازدهار..
انعدمت مسئولية الدولة في شرقنا التعيس تجاه رفاهية أفرادها وازدهار البلاد بل إن الواقع يؤكد أن مسئولية الدولة الأولى هي اقتياد المواطنين "خاصة الغالبية إلى الجنة" فاستمدت القوانين من الشريعة رغم تعارض العديد من موادها مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فأصبحت المرأة نصف الرجل في مواد القوانين الخاصة بالميراث والشهادة أمام المحاكم.. ولا تتعجب أن ترى متطوعًا مُكَلف من قِبَلْ الدولة في تعقب من لم يصل!! بل جلد المفطر!! وليس بعجيب أيضًا أن تسمع أحاديث مديري أمن دولة ما.. أنه تم القبض على عدد من المفطرين في شهر رمضان، ومن العجيب أنهم ربما يكونون من ديانات أخرى.
الدولة والاضطهاد..
ففي شرقنا التعيس تُقَنن الدولة الاضطهاد بقوانين لتفرق بين مواطنيها فكل خدمة تقدمها الدولة للمواطن يقابلها مبلغ من المال إلا شهادات واستمارات الأسلمة فهي دون مقابل ويُعَامل حافظ القرآن معاملة حامل المؤهل العالي فيما تُعفى المساجد من ضريبة العوائد العقارية، كما توفر الدولة مصادر تمويل للجامعات الدينية رغم أن الآخر محروم من الالتحاق بها...
أخيرًا:
إن مفهوم الدولة في شرقنا التعيس ليس توفير فرص عمل بل بناء دور عبادة، وليس مسئولة في تحسين جودة التعليم بل في إخراج أجيال عديدة كل عام من خريجي الجماعات الدينية ليسهموا في تأخر الوطن بالاعتماد على قرون سحيقة لسلف مضى، ولم ير نور العلم ولا قيمة الإنسان.
الدولة.. في شرقنا التعيس هدفها الأول والأخير قيادة الشعوب للجنة المزعومة فجيشت كل ما لديها من قوانين وأجهزة أمنية ورقابية لهذا الغرض فقط.. ومن الغريب أن دول المنطقة ترفع شعار العدل أساس المُلك وتجد أن قوانينها وقياداتها لا تعرف العدل ولكنها تسمع الكل يصَّرح العدل من أسماء الله.
فلا هم أقاموا العدل ولا قاموا بمسئولياتهم تجاه الدولة والمواطنين بل أضاعوا مفهوم الدولة..
Medhat00_klada@hotmail.com