إسلام التعذيب
أقف، مثلما هو الحال لأي إنسان سوي، دومًا ضد التعذيب بأي شكل من أشكاله، لأنه يؤدي إلى خلل عقلي شديد، وينتج أفكارًا متضادة مع الاعتدال الإنساني والفكر القويم، وأزعُم، أن المنتج الفكري المُستحدث (إذا ما نظرنا إلى تاريخ الإسلام) للإخوان والسلفيين وغيرهم من الحركات المتأسلمة المنظمة (وليس الفردي المستقل)، كان وليد "تعذيب السجون" في عهود سابقة، وقد بدأ الفكر المتطرف الملتحف بالدين، في النزول إلى الشارع المصري وغيره من بُلدان المنطقة التي بها أغلبيات مسلمة، في أعقاب هزيمة يونيو 1967.
لقد كانت الأدبيات التي صدرت من قبل المتأسلمين في سجون عبد الناصر - والتي بنوا عليها أفكارهم التي لاتزال تحيا بيننا - إنما تُعبر عن "ثقافة العزلة" التي تمخضت عن ذاك التعذيب، فعبر هؤلاء عن "إسلام جديد"، أساسه العدوانية، ضد كل من تعرض لهم، ومع الزمن، تخطى رد فعلهم من عذابهم، ليشمل المُجتمع كله، وبذا، أصبح دينهم دينًا انتقاميًا، ضد كل من هم دونهم، وبذا، أصبحوا يعتبرون كل من يُهاجمهم، إنما يُهاجم إسلامهم هذا، حيث تجسدوا هم في دينهم الجديد، وابتعدوا عن الطريق الرشيد والمعتدل للإسلام الحق الذي نزل على سيدنا محمد عليه أكرم الصلاة والسلام.
إن أفكارهم حول الدين ليست دينًا وإنما فكر مريض، يُعبر عن ردود فعل على معاملات وحشية تعرضوا لها، وهي انعكاس لتشنجات وأعصاب منفلتة وأحقاد حملوها في قلوبهم لسنين طوال، إن ما يقولون به من سب وتهديد لكل مختلفٍ معهم، لا يمكنه أن يبني دولة، ناهيك عن خلافة، فكم الكره والغل الذي يحملونه هدام، ليس لمن حولهم فقط، ولكن لهم أيضاً، ولقد شاهدناهم يختلفون حتى فيما بينهم على مدى السنتين الأخيرتين منذ أحداث 25 يناير، لأن البناء ليس هدفهم، ولكن يتوقف الهدف لديهم عند "التمكين" والإمساك بمفاصل الدولة، فالسلطة هي هدفهم الذي يُمكنهم من الانتقام، ليس إلا، ويظنون أنها القوة في حد ذاتها، ولم يتعلموا من كم الدول الفاشلة في العالم، التي تولى قادة مثلهم السلطة فيها، وهم في هذا الصدد وكما نرى من حوالي 6 أشهر لهم في السلطة، ليست لديهم أدنى رؤية لأي مشروع أو حلول لتنمية مصر، ليتعرى الشعار الغامض الذي حملوه على مدى سنوات: "الإسلام هو الحل"، ويتضح أنه كان شعارًا انتخابيًا فقط، لدغدغة العواطف ليس إلا!!
وبذا يتكشف لنا، أن "الحل الأمني" لم يكن هو الحل الصحيح، في التعامل مع تلك الجماعات والحركات، حيث أفرز ما هو أشد عُنفًا مما كان، فبينما كانت تلك الحركات في مواجهة مع السلطة قديمًا، أصبحت اليوم، في مواجهة مع المجتمع كله، بل وبعضها الأكثر إعلانًا عن منهجه، أصبح في حرب مع المجتمع الدولي كله، وهو بذلك يفعل عكس ما أمر به القرآن بالدعوة إلى سبيل الله، بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث يُنفر البشر من الخطاب الإسلامي السمح، بتصويره إياه كدينٍ إرهابي والعياذ بالله!! إلا أن ما تفعله تلك الحركات حقًا، هو الانتقام لنفسها من آثار التعذيب الذي تعرضت له، وهي بذا تكون حركات "انتقامية" وليست حركات "إسلامية"!!
لقد أفرزت تلك "الحركات الانتقامية"، إسلامًا جديدًا نابعًا من التعذيب، يمكن تسميته "بإسلام التعذيب"، وهو ليس دينًا ولا يمت له المجتمع السوي بصلة، حيث ينفر المجتمع منه وينتمي للدين الإسلامي المُعتدل الذي يرعاه الأزهر الشريف، حيث إن المسلم مسلم دون تصنيفات، فلم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام، إخوانيًا أو سلفيًا، ولكنه كان حنيفًُا مسلمًا، وكذلك الأغلبية القصوى من المسلمين المصريين!!
على الأزهر أن يظهر بقوة، ليوقف هذا الهُراء، لأن الإسلام الحق، يجب أن يقوى ليواجه ما يفعله هؤلاء المرضى، ولتُجرى لهم مُراجعات فكرية ومُعالجات نفسية، لأننا يجب وأن نقضي على هذا الفكر بكل الأشكال، حتى لا يتحول الوطن كله إلى زنزانة كبرى، ويتعذب المواطنون أيضًا من جراء هذا الخطاب اللاديني المبني على "ثقافة الانتقام" من قبل هؤلاء المتطرفين، فنزيد التطرف أكثر ونقضي على الاعتدال المميز لثقافة مصر على طول القرون!!
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية