عيون وآذان (لن أقول "يستاهلوا")
الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة الأمريكية، يريد أن يفشل باراك أوباما في ولايته الثانية.. لا جديد هنا فقد ورث الرئيس الجديد أزمة مالية خانقة أطلقتها حروب جورج بوش الابن، وأحبط الجمهوريون بسيطرتهم على مجلس النواب كل محاولة في ولاية أوباما الأولى لإقالة الاقتصاد من عثاره، على رغم إدراكهم أن استمرار الأزمة المالية يهدد العالم كله مع الولايات المتحدة.
تعامل الحزب الجمهوري مع باراك أوباما مسجل وموثّق في كتاب بوب وودوارد «ثمن السياسة»، الذي عرضته في هذه الزاوية في 13/10/2012، ولم ينفِ أحد سطراً فيه، الكتاب يقول إن جون بونر رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، وغيره من زعماء الحزب كانوا يخشون أن يؤدي نجاح أوباما في معالجة الأزمة الاقتصادية إلى فوزه وحزبه في الانتخابات التالية.
أوباما فاز والأسباب السابقة في موقف الجمهوريين لاتزال قائمة وربما زدنا عليها أن بونر يفضل تأخير أي اتفاق إلى ما بعد انعقاد الكونجرس الجديد وإعادة انتخابه رئيساً للغالبية.
نحن اليوم أمام ما حذر منه الرئيس الجمهوري دوايت ايزنهاور، في خطابه الوداعي في 17/1/1961 عندما أعرب عن خشيته من أن يمارس «تحالف العسكر والصناعة» نفوذاً غير مقبول على سياسة الدولة.
الحزب الجمهوري اليوم لا يمثل فقط هذا التحالف الخطر، وإنما تحول إلى منظمة يمينية متطرفة، ولوبي إسرائيل والمحافظون الجدد والليكوديون الأمريكيون، يفاخرون بأنهم عزلوا الجناح المعتدل في الحزب مثل جورج بوش الأب ووزير خارجيته جيمس بيكر وآخرين.
باللهجة العامية أقول: «فين عيونك لتشوف يا ابراهام لنكولن ما حلَّ بحزبك». الحزب أسسه معارضو الرق في 1854، فبدأ نصير الفقراء والمضطهدين وانتهى وأمثال رونالد ريجان وجورج بوش الابن يمثلونه، ونيوت غينغريتش يرأس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، وهو ليس سياسياً وحسب، بل فضيحة سياسية.
اليوم يعود أعضاء الكونغرس من أجازتهم لاجتماع يهدف إلى إنقاذ البلاد من الهوة المالية التي تتأرجح على حافتها، وعدم الاتفاق يعني أن تواجه أمريكا احتمال العجز عن تسديد ديونها، أي أزمة مالية مضاعفة، وشخصياً لا أجد حلاً فأكتفي بتسجيل المعروف وهو أن باراك أوباما يريد خفض الضرائب على الطبقتين الوسطى والفقيرة، أي الأسر التي يقل دخلها عن 250 ألف دولار في السنة، وزيادة الضرائب على الأثرياء. أما جون بونر فيريد زيادة الضرائب فقط على الذين يزيد دخلهم السنوي على مليون دولار، وحتى هذه لم يستطع تأمين موافقة حزبه عليها.
خطة أوباما تفيد 97 في المئة من المواطنين والصناعات الصغيرة، وخطة بونر تفيد صفر فاصلة صفر واحد في المئة من الأمريكيين. وفي حين تظهر استطلاعات الرأي العام كافة، غالبية مع الرئيس أوباما فإنني أذكر معها أن غالبية من الأمريكيين اختارت غالبية من الجمهوريين في مجلس النواب، على رغم أن هؤلاء يمثلون تحالف العسكر والصناعة ولوبي إسرائيل لا الناس الذين انتخبوهم.
لن أقول إن الأمريكيين «يستاهلوا»، ما جَنت أصواتهم بإعادة غالبية جمهورية الى مجلس النواب، وإنما أقول إن كل الناس في كل بلد يدفعون ثمن هذه الغالبية. ومضى يوم كانت الولايات المتحدة فيه تمثل ثلث اقتصاد العالم على رغم أن سكانها 300 مليون من أصل سبعة بلايين من البشر حول العالم. والآن أصبح الاقتصاد الأمريكي ربع اقتصاد العالم (الفرق بين الثلث والربع تريليونات الدولارات)، والجمهوريون مصرّون على إحباط خطط إدارة أوباما، ولو عنى ذلك استمرار معاناة الأمريكيين وشعوب العالم.
أنا أقيم في لندن، وأقرأ في صحفها يوماً بعد يوم أن استمرار الأزمة المالية الأمريكية يضر باقتصاد بريطانيا. ولكن أعرف أن استمرارها سيؤذي الفلاح المصري في الدلتا أو الصعيد الذي يبحث عن خبزه اليومي (عيش) ولا يجده، كما يفعل كل فقير في الشرق والغرب والجنوب.
الكوميدي الأمريكي العظيم جورج كارلن قال يوماً: المحافظون (والمقصود هنا الجمهوريون وعصابة الشر التي سرقت الحزب) يقولون إنه إذا لم نعطِ الأثرياء مزيداً من المال يفقدون الحافز للاستثمار. أما الفقراء، فيقولون إنهم فقدوا الحافز (للعمل) لأننا أعطيناهم مالاً كثيراً.
كارلن توفي عام 2008، مع انطلاق الأزمة المالية الأمريكية والعالمية، ولم يرَ الخراب التالي إلا أن ما قاله هذراً أصبح حقيقة، وشر البلية ما يُضحك.
نقلاً عن الحياة اللندنية