رئيس التحرير
عصام كامل

الدولار الحائر !


جاء انخفاض الدولار المستمر أمام الجنيه، والتسارع الشديد لدى بعض شركات الصرافة والأفراد للتخلص من الدولار بمثابة طوق النجاة وضوء الأمل للشعب المصري في أن يؤدي ذلك إلى خفض ملحوظ في الأسعار، تلك التي شهدت حالة غير مسبوقة من الارتفاع بسبب تحرير سعر الصرف، الأمر الذي أدى إلى أن يصل الدولار إلى 20 جنيها؛ مما جعل الأسعار تشتعل.


إذا فيجب عندما ينخفض الدولار أن تبدأ الأسعار في الانخفاض بنفس الحجة لارتفاعها..

وبداية يجب أن نعلم أن هناك أسبابا أدت إلى الانخفاض المستمر في قيمة الدولار، وأهم هذه الأسباب من وجهة نظري ما سبق أن اقترحناه على الحكومة ومحافظ البنك المركزي في مقال سابق، وهو أن تنتهي السوق السوداء وتنتقل من خارج البنوك إلى داخلها؛ بمعنى أن يتولى البنك تدبير كل الاحتياجات الدولارية للمستوردين، فالمستورد عندما يريد أن يستورد سلعة ما بمليون دولار مثلا، عليه أن يسدد المقابل المادي للدولارات بالجنيه المصري للبنك، والبنك هو الذي يقوم بتدبير هذه المليون دولار، وبالتالي لن يجد تاجر العملة من يشتري منه بضاعته من الدولارات فيضطر إلى بيعها للبنوك؛ مما يجعل البنك هو المصدر الأساسي للدولار، وبالتالي تختفي السوق السوداء ويصبح الدولار بقيمته الحقيقة أمام الجنيه – تلك القيمة التي أقدرها من وجهة نظري بـ 10 جنيهات وليس 14 جنيها كما يذكر بعض الخبراء – وهو الأمر الذي تم بالفعل..

فصار البنك الذي في الأساس هو الذي يقوم بفتح الاعتماد هو كذلك الذي يدبر كل احتياجات المستوردين من العملة الصعبة، فسارع حائزو الدولار إلى بيعه للبنوك لوقف نزيف الخسارة؛ مما وفر من سلعة الدولار وبالتالي انخفض سعرها.

ومن الأسباب التي أدت إلى انخفاض سعر الدولار أمام الجنيه توفر 4 مليارات دولار من السندات الخارجية التي طرحتها الحكومة خارجيا، والـ 2،75 مليار دولار من نتاج تبادل عملة مع الصين، والحصول على 3،75 مليارات دولار من صندوق النقد والبنك الدولي، فضلا عن قروض من فرنسا وألمانيا وبريطانيا لإكمال الـ 6 مليارات الذي اشترطهم الصندوق للموافقة على القرض، وحصول بنك مصر على مليار دولار لدعم العملة الأجنبية لديه، وضخ 9 مليارات دولار في البنوك بعد تعويم الجنيه وخصوصا من المغتربين أو ممن كانوا يحوزون الدولار بـ 8،8 جنيهات وباعوه بقيمة تتراوح بين 18و5- 19 جنيها، وزيادة حصيلة الصادرات 2 مليار دولار مقابل تراجع الواردات بنحو 8 أو 10 مليارات دولار.

ومع تدفقات دولارية على هذا النحو، وارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي ليغطي أكثر من 5 أشهر لاستيراد السلع الأساسية، تراجع معدل الطلب على الدولار فكان طبيعيا أن يتراجع الدولار إلى 15،95 جنيها، وأتوقع المزيد من التراجع.

وهنا أتوجه بالشكر إلى الرئيس السيسي الذي وجه المصانع الحربية إلى ضرورة إنتاج بعض السلع والمنتجات مثل المنتجات المنزلية الكهربائية؛ الأمر الذي أدى إلى انخفاض الطلب على المستورد المرتفع الثمن منها، وبالتالي خفض المستوردون من الاستيراد مما وفر الدولار، كما وجه المسئولين إلى دراسة ملف الاستيراد وبالتالي انخفض حجم الاستيراد بصورة جزئية، ولم تقل السلع من الأسواق لدخول بعض المنتجات المصرية محلها مما كان له الأثر الإيجابي في خفض قيمة الدولار، كما أحيا سياسة البنك المركزي التي أخذت باقتراح أن تكون البنوك هي المسئولة عن توفير الدولار للمستوردين، وبالتالي القضاء على السوق السوداء. 

وأطالب الحكومة بشدة بأن تفعل دور الرقابة على الأسواق، ومراقبة الأسعار بعد نزول الدولار كي تنخفض قيمة السلع، فالسلع لن تنزل فقط بنزول الدولار لكنها ستنزل بالتأكيد بنزول مباحث التموين والجهات الرقابية للأسواق، ومحاسبة المستوردين والتجار محاسبة ضريبية عادلة تتمشى مع سعر الدولار الذي يوفره لهم البنك.
الجريدة الرسمية