في ذكرى رحيل البطل الذي أذل إسرائيل!
كان الدكتور سعيد عبد الماجد، رئيس النيابة وقتها، يشعر بالحرج والألم وهو يقوم بهذه المهمة.. دخل ببطء إلى حجرة المكتب بعد الاستئذان بأدب جم من أهل البيت، وطلب من رجاله أن يؤدوا واجبهم فقاموا بحصر ممتلكات الرجل كلها تمهيدًا لمحاكمته، فكانت كالتالي نقلا عن ملفات القضية: "خمس شهادات استثمار قيمة كل منها خمسمائة جنيه، اثنتان لكل واحدة من ابنتيه سلوى وماجدة، وواحدة لابنه أشرف وحسابان بالبنك الأهلي بمبلغ قدره 139 جنيهًا و724 مليمًا للأول و74 جنيهًا و500 مليم في الثاني و140 دولارًا تمت مصادرتها وتسلمها مندوب البنك محروس يعقوب إسحاق لتحويلها إلى العملة المصرية، أما قيمة التحويل فكانت 59 جنيهًا و500 مليم بسعر صرف ذلك الوقت وبإيصال استبدال رقم 76205 فقد كان سعر الدولار وقتها 42 قرشًا ونصف القرش، وأعيدت الأموال إلى زوجته فيما بعد بعد أن رفض النائب العام تحويلها إلى ملفات القضية"!
هذه كل ممتلكات القائد العام للجيش المصري الفريق أول البطل محمد فوزي الذي أعاد بناء القوات المسلحة بكاملها بعد نكسة 67.. تقدم باستقالته في 14 مايو 71 وكان السادات قد اتهمه بالمشاركة في الصراع السياسي بينه ووزراء وقادة الدولة وقتها وطلب بإعدامه ورفضت المحكمة العسكرية فبقي في السجن سنوات وخرج للإقامة الجبرية!
هذا البطل هو من رتب بيت الجيش من جديد وقاد حرب الاستنزاف التي صرخ منها قادة العدو الإسرائيلي وهو من أشرف على بناء حائط الصواريخ وهو من قاد عمليات إيلات كلها الميناء والمدمرة وهو من أشرف على معركة رأس العش الشهيرة التي انطلقت بعد النكسة بأيام وهو من أدار معركة أو أسطورة جزيرة شدوان بالبحر الأحمر التي استمرت بقيادة الفريق سعد الشاذلي 36 ساعة كاملة متصلة بقوة قليلة العدد من المصريين صمدت وانتصرت أمام طائرات وبوارج وأعداد كبيرة من الإسرائيليين ودمرتهم وأسقطوا منهم طائرتين وفروا منهزمين مخلفين عشرات القتلى والجرحى وهذا الرجل الذي بنى الصاعقة وأمر أبطالها بالعبور المتكرر للقيام بعمليات أطلق عليها وقتها "خلف خطوط العدو" ودمروا وقتلوا وفي مرات عديدة عادوا أيضًا بالأسرى !
هذا الرجل خرج من البطولة إلى السجن ولم يتم تكريمه إلا متأخرًا عندما رد المشير حسين طنطاوي قبل سنوات الاعتبار لحرب الاستنزاف وأخيرًا أطلق الرئيس السيسي اسمه على إحدى منشآت القوات المسلحة تكريمًا له وتخليدًا لاسمه!
الفريق أول محمد فوزي هو من استعان بكل قادة العبور المجيد في 73 فقد خرج من مهمة قبل الانتصار بعامين بعد أن أعاد بناء الجيش للمعركة.. وشاءت الأقدار أن أتشرف بمعرفته عن قرب فبعد تأسيس الحزب الناصري عام 92 وفي مؤتمره العام في العام التالي دعوه للمشاركة فترأس المؤتمر العام وانتخب عضوا في أول لجنة مركزية كان فيها عدد من الأسماء الكبيرة من وزراء وكتاب وفنانين وشخصيات عامة ونواب وقت أن كان الحزب قويًا في بدايته وكان سيادته أكبر الأعضاء من بين ألف ومائتي عضو وتشرفت أن أكون أصغر أعضاء اللجنة المركزية سنًا وكانت مفارقة لافتة!
بعدها بسنوات دعا البعض لتشكيل لجنة حكماء لبحث خلافات التيار كله فاجتمعنا في بيته بشارع الفتح بمصر الجديدة لإصراره على أن أمثل جيلي في اللجنة وكان بسيطًا يقدم لنا بنفسه -والدكتور عبد الرحمن سعد الأستاذ بجامعة بنها متعه الله بالصحة ممثلا عن جيل الوسط وقتها- واجبات الضيافة بكرم بالغ وببشاشة لا تنسى- رغم ما عرف عنه من صرامة كانت منطقية لإعادة بناء القوات المسلحة وخصوصًا قراره التاريخي بتجنيد خريجي الجامعة-ووقتها كادت الدموع أن تفر من عيوننا ونحن نرى أمامنا الرجل الذي قدم لمصر كل عمره وهو بكل هذا التواضع ويصر وقد بلغ من العمر ما بلغ أن يخدم وطنه ما تبقى له من عمر وبأي طريقة ممكنة !
وبعدها حدث ما توقعناه.. فقد رحل الفريق أول محمد فوزي في 16 فبراير عام 2000 وودعته الجماهير في جنازة مهيبة إحداها رسمية حضرها الرئيس مبارك والأخرى شعبية هتف بعضهم فيها له بأنه الرجل الذي أذل الإسرائيليين وأخذ بثأر مصر وشهدائها ووضع الجيش العظيم على طريق النصر!
رحم الله البطل العظيم أحد الرموز الخالدة لجيشنا العظيم والذي آن الأوان أن تعرف الأجيال كلها تاريخ أبطالها وتاريخ أمتها المجيد!