ساعات أسامة الأزهري الأخيرة.. احتدام الخلاف بين «الإمام» و«المستشار».. مستشار الرئيس للشئون الدينية يتهم شيخ الأزهر بـ «عدم تلبية نداء الوطن».. ومصادر: ينتظره عقاب الطرد
يبدو أن الخلاف بين الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية وعضو مجلس النواب المعين، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقيادات المؤسسة الدينية الأعلى في مصر والعالم الإسلامي – من جانب آخر؛ بلغ ذروته وبدا كل طرف مكشرًا عن أنيابه للفتك بالطرف الآخر.
المعركة بين الطرفين لم تكن وليدة اللحظة، لكن يمكن القول إنها كانت تشبه النار تحت الرماد؛ ففي البداية كان «الأزهري» ينتقد «الطيب» وقيادات المشيخة على استحياء حيث كان يستخدم كلمات من قبيل: «كلنا نحب الإمام الأكبر ونقدره»، وينهى حديثه بجملة: «مع كامل الاحترام لكل الجهود المبذولة في مسألة تجديد الخطاب الديني من مختلف مؤسساتنا الدينية، إلا أن ذلك كله دون المستوى المطلوب بكثير».
انتقاد "الأزهري" لـ "الإمام" كان يعتبره البعض داخل المشيخة «ضرب موجع» يهدف إلى إفساد علاقة الود بين الرئيس والإمام، ولكنهم كانوا يلتزمون الصمت لأن مستشار الرئيس للشئون الدينية يحرص على افتتاح كلماته دومًا بالثناء على الشيخ وقيادات المؤسسة.
في كل ما سبق، كان الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، وقيادات الأزهر ملتزمون بضبط النفس إلى أبعد الحدود، ويعتبرون ما يردده مستشار رئيس الجمهورية من باب: «نصيحة الابن للأب» فالدكتور أسامة الأزهري واحد من أبناء المؤسسة تربى بين أروقتها وشهاداته العلمية التي أهلته لشغل منصب مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية مُنح إياها من الأزهر الشريف، ولا يعقل أن يكون انتقاده بهدف الهجوم وتقليل جهود مشايخه وأساتذته في ملف تجديد الخطاب الدينى، خاصة وأنه يعلم تمام العلم أن الأزهر هو المؤسسة الدينية الوحيدة التي تحمل لواء نشر الفكر الوسطي وتتصدي للمتطرفين وتفند ادعاءات الجماعات التكفيرية.
إلا أن الثامن والعشرين من يناير المنقضي؛ جاء ليزيح الستار عن الانتقادات غير المسموعة حيث شن «الأزهري» هجومًا لاذعًا ضد «الطيب» وقيادات المؤسسة الدينية بما يتبعها من هيئات حين كتب في مقاله الأسبوعي بجريدة الأهرام مهاجمًا الأزهر والأوقاف والإفتاء على حد سواء بأنهم: «لا يلبون نداء الوطن ولا يستجيبون لما يطلبه الوطن».
ووفقًا لتأكيد مصادر مطلعة فإن أسباب مجاهرة «الأزهري» بالهجوم على «الطيب» وقيادات الأزهر وما يتبعه من هيئات دينية هو الرغبة في إقناع الرئيس عبد الفتاح السيسي بأنه الأجدر بإدارة ملف تجديد الخطاب الديني الذي لا تمر مناسبة إلا ويتطرق إليه الرئيس في خطاباته؛ ومحاولته إظهار الإمام الأكبر بموقف المتباطئ في هذا الملف الهام.
المصادر ذاتها أشارت إلى أن سبب تطرق «الأزهري» في هجومه إلى دار الإفتاء ووزارة الأوقاف وعدم وقوفه عند حد انتقاد «الطيب» وقيادات المشيخة؛ هو محاولته تبديد ما نجح فيه الإمام الأكبر خلال الأشهر الأخيرة من توحيد الهيئات الدينية تحت لواء هيئة كبار العلماء التابعة لمشيخة الأزهر الشريف، والحد من مكاسب الشيخ التي حققها عقب إطاحته بورقة «الخطبة المكتوبة» التي حاول الدكتور محمد مختار جمعة، التلويح بها في وجه الإمام لكسب الثقة من مؤسسة الرئاسة في منحه أسبقية إدارة ملف تجديد الخطاب الديني، واستخدام "الطيب" لحقه الذي أقر به دستور 2014 في مادته السابعة بأن الأزهر هو: «المرجع النهائي لشئون الإسلام في مصر».
ومن ناحية أخرى - والحديث لا يزال للمصادر المطلعة - فإن تطرق مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية، في هجومه على الأزهر إلى الهجوم على وزارة الأوقاف جاء محاولة لتقوية عضده بالدكتور محمد مختار جمعة، الذي بات يشبه الباحث عن أي منتقد للإمام الأكبر لينضم له أملًا في رد واحدة من ضربات «الطيب» المتوالية له بدءًا من إلغاء قرار «الخطبة المكتوبة» ثم الحيلولة دون حصوله على عضوية هيئة كبار العلماء وأخيرًا الإطاحة به من منصب وزير الأوقاف.
المصادر ذاتها؛ أضافت أن حصر مستشار رئيس الجمهورية، لجهود تجديد الخطاب الديني التي يبذلها الإمام الأكبر وقيادات مؤسسة الأزهر بمختلف هيئاته في: «أجنحة أقامها بالأمس في معرض الكتاب دون القفز إلى مستوى الحساسية والجد والخطر الذي يحيط بالوطن»؛ ما هو إلا محاولة للرد على تهميش واستبعاد «الطيب» لـ «الأزهري» من المحاضرة في ندوات المشيخة التي أقامتها داخل أرض المعارض خلال مشاركتها التاريخية في الدورة الثامنة والأربعين بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.
الهجوم اللاذع – والحديث للمصادر ذاتها – ما هو إلا بداية لموجات متتالية من الهجوم الذي سيشنه مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية؛ ضد الإمام الأكبر وقيادات الأزهر خاصة بعد إقرار هيئة كبار العلماء بصحة وقوع الطلاق الشفهي، وهو ما اعتبره البعض تحديًا من شيخ الأزهر لمؤسسة الرئاسة ويجب معاقبته على هذه الجرأة، معتبرين أن الظهور الإعلامي لـ «المستشار» والمرتبط دائمًا برضا الدولة، والذي تحول من الظهور في قناة «سي بي سي» إلى تقديم حلقات أسبوعية على شبكة «دي إم سي»، وإظهاره دومًا على أنه الأزهري الوسطي القادر على جذب الشباب وإيصال صحيح الدين لهم سيكون أداة فعالة في نجاح ما يرمون إليه وهو سحب البساط الشعبي الذي ثبت "الطيب" أقدامه فوقه عقب إصدار هيئة كبار العلماء بيانها التاريخي بشأن الطلاق الشفهي.
المصادر السابقة أكدت أن خلع الدكتور أسامة الأزهري، لعباءة الانتقاد غير المعلن المغلف بكلمات الثناء وارتداءه درع الهجوم اللاذع على مرأى ومسمع من الجميع هدفه التصعيد السريع والوصول به - عن طريق الضغط على الإمام من قبل جهات سيادية - إلى عضوية هيئة كبار العلماء ومن ثم الظفر بمنصب شيخ الأزهر في مقابل التنازل عن استقلالية المؤسسة التي اقتنصها «الطيب» عقب نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير بنص دستوري أقر بأن: «الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه، وهو المرجع الأساسى في العلوم الدينية والشئون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء»، والتي كفلت للأزهر وقيادته ممارسة عملهم باستقلالية تامة ودون أي ضغط حكومي كانت تمارسه الحكومات المتعاقبة بدءًا من عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وحتى إقرار هذه المادة.
هجوم مستشار رئيس الجمهورية للشئون الدينية الصريح على مؤسسة الأزهر وما يتبعها من هيئات، اعتبره البعض بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، واصفين إياه بـ«نهاية شهور الحرب الباردة» بين "الأزهري" و"الطيب" وبداية النهاية لـ «فارس تجديد الخطاب الديني» - اللقب الأحب إلى قلب المستشار – وأن هذا الهجوم غير المبرر - وفقًا لوصفهم - حكم على "الأزهري" بملاقاة مصير الدكتور محمد مختار جمعة.. الطرد من الظِلة الأزهرية؛ مؤكدين أنه لم يتبق لـ "الأزهري" سوى شهور قلائل وتخفت عقبها كل الأضواء من حوله؛ لأن خصمه عنيد ولا يعبأ بالرد على انتقادات البعض لشخصه ولكنه ينتفض ليفتك بكل من يحاول المساس باستقلالية مؤسسته ويقلل من جهود أبنائها في نشر السلام ومحاربة التطرف ونشر الفكر الوسطي الصحيح.
"نقلا عن العدد الورقي..."