رئيس التحرير
عصام كامل

انتبهوا أيها السادة الصحفيون


إلى زملائى من الصحفيين الذين طالبوا النقيب الحالى يحيي قلاش برفع الحرج عنهم وعدم الترشح مجددا، أوجه نفس المطلب بالمعكوس، لماذا لم يرفع الزميلان ضياء رشوان وعبد المحسن سلامة الحرج عنا، ويرفضان خوض الانتخابات ضد قلاش، خصوصا وأنهما يعلمان أنه إذا رسب الأخير سيقال إن الصحفيين باعوا أنفسهم، وانحازوا لمن يمنحهم فتات الموائد، لا لمن يدافع عن شرف وكرامة مهنتهم؟.


إن عدم فوز قلاش في ظل صدور حكم بحبسه في قضية هي أقرب لحرية الرأي وكرامة المهنة، سيحمل رسالة سلبية من جموع الصحفيين للدولة، مفادها أنهم يهتمون بالخدمات لا بكرامة مهنتهم المقدسة، ومن غير المقبول ولا المعقول أن تتخلي الجماعة الصحفية عن النقيب الذي تصدي في شجاعة الرجال إلى الهجمات الضارية على نقابة الصحفيين، ووقف بصدر عارٍ يتلقي ضربات السلطة من الأمام، وطعنات من باعوا مهنة الضمير في الظهر.

إنها المرة الأولى في التاريخ التي يصبح فيها الصحفيون بصدد استحقاق أخلاقي يفرض عليهم تنحية كل المصالح المادية جانبا، وإعلاء مصالح مهنتهم وكرامتها وكبريائها.

انحيازى لقلاش لا يمنعنى أن أقر واعترف كغيرى أنه فشل في بناء جسور مع الدولة، بما يحقق للصحفيين مكاسب مادية، في ظل حالة الغلاء الفاحش التي نعيشها، وأنه نقض وعده الذي كان بندا رئيسيًا في كل برامجه الانتخابية بزيادة بدل التكنولوجيا الذي يعتمد عليه عدد كبير منهم، وأنه تصادم مع الدولة وورطهم في أزمات كانوا في غني عنها، بالإضافة إلى أن برنامجه خلا من أي حديث عن إنجازات سابقة، أو وعود لاحقة تعطي بارقة أمل في تقديم أي جديد خلال العامين المقبلين، وخلا كشف حسابه على صعيد الخدمات طوال عامين من أي إنجاز ملموس يذكر.

المؤكد أن هذه الإشكالية ستضع الصحفيين في مأزق نحتاج إزاءه إلى أن ننتصر لكرامة مهنتنا، وأن نكون مثل جموع بنى وطننا الذين يتحملون في صمت وإيثار كل موجات الغلاء الفاحش، حفاظا على تماسكه وعدم هدمه، خصوصا وأننا ندرك أن هناك من يشعل النيران ويتربص، ونحن الصحفيين لسنا أقل وطنية من الشعب، وعلينا أن نتحمل عامين آخرين بلا أي مكاسب مالية، وعندما نعلن انحيازنا ليحيي قلاش فلا نعني أننا نعادي النظام أو نتصادم معه أو نقف ضده، بل إننا عبر التاريخ أكثر فصيل وطني، وننحاز إلى حرية الرأي والتعبير وإلي كرامة وكبرياء المهنة التي كانت يوما سلطة رابعة، وحصلت من قبل على لقب «صاحبة الجلالة»، تماما كما ينحاز القضاة والأطباء والصيادلة وغيرهم لمهنهم، وينتفضون إذا تعرضت كرامتهم للإيذاء.

لقد أسقطنا ضياء رشوان في الانتخابات الماضية بكامل إرادتنا، رغم كل ماحققه للصحفيين من امتيازات مادية، بل ومعنوية عديدة خلال عامين من وجوده كنقيب، وجئنا بيحيي قلاش وهو"حر طليق" لكي نؤكد أننا لا نباع ولا نشتري، وها نحن الآن أمام موقف يفرض علينا عدم التخلى عن النقيب، وهو "مقيد أسير" في قضية تمس صميم حرياتنا.

حتى كتابة هذه السطور لم يعلن ضياء ولا سلامة برنامجهما الانتخابي، وأظن أن الدولة ستتدخل بكل ما تملك من أسلحة مالية، وتعيد نفس آليات نظام مبارك في تمكين مرشحها من مقعد نقيب الصحفيين، من خلال تسويقه في فضائياتها التي أصبحت عديدة، وأظن أن الرشوة ستكون كبيرة هذه المرة، وللأسف هناك قطاع كبير من الزملاء يهمهم الجانب الخدمي في المقام الأول، وقد يتم استمالتهم أمام الصناديق مدفوعين وممتنين بما سيقدمه مرشح الحكومة، الذي كان منتميا في السابق إلى الحزب الوطنى المنحل ويصوتون له، غير أنني أراهن على وعى القوة الفاعلة الحقيقية في جمعيتنا العمومية، وأقصد 3000 من شباب الصحفيين، وهم الجيل الذي ولد في أزمة النقابة الحالية، ويدرك المخاطر التي تحيط بمهنتنا، ويجب أن ننتبه أيضا إلى أن جميع أعضاء المجلس الستة الذين لن يخوضوا الانتخابات هم من جبهة "تصحيح المسار" وذوى الخلفية "الحكومية"، وبالتالي إذا انضم إليهم في المجلس عضو واحد ستصبح لهم الأغلبية، ويتم اختطاف حرية نقابتنا التي كانت مستقلة عبر تاريخها الوطنى والنضالى الطويل.

عدم التخلى عن قلاش يفرض علينا عدم التخلى عن عضوى المجلس جمال عبد الرحيم وخالد البلشى، الصادر بحقهما حكما بالحبس أيضا في نفس القضية، ولا يجب أن نقبل مقايضة حريتنا بأي ثمن مادى، أو أن تقرر الدولة مصيرنا بيدنا لا بيدها، أو أن ننظر تحت أقدامنا.

 نحن بصدد مرحلة لا تحتمل أنصاف الحلول، وقد كُتِبَ علينا التصويت لحريتنا لا لمصالحنا الخاصة، وعدم انتخاب قلاش هو هروب من معركة مفادها أن حبس نقيبنا هو انتهاك لكرامتنا جميعا، وأن تخلِينا عن زملائنا الثلاثة يعنى أننا سنصبح مهانين وبلا كرامة.

بحسابات الأداء والنتائج كنت سأتحول مع الآلاف من زملائى إلى عدو لقلاش في الانتخابات، ولكن أما وأن الرجل يخوض معركة أمام القضاء تمس حريتنا، فالتخلى عنه وعن عبد الرحيم والبلشى خيانة.. انتبهوا يا أصحاب أنبل مهنة عرفتها البشرية.
الجريدة الرسمية