سكين في خاصرة الوطن
ما زال الهجوم ينهال على الأزهر ورجاله وعلمائه؛ من أشباه العقول الذين يخططون ويدبرون لهدم الوطن وشق الصف وتهديد الأمن والاستقرار، وخلخلة الناس وتشكيكهم في دينهم وعلمائهم وأزهرهم، وهذا الهجوم نابع من قلوب ملأها الحقد والغل والضغينة والبغضاء، فجاءت كلماتهم تقطر كل حقد وبلاء وطغيان، وتنفث كل باطل وزور وبهتان، وتخرج الكلام عن مقصده وتوجهه على غير الوجه الذي هو له.
فمعذرة إلى القراء على هذا المقال الذي نحاول أن نعالج فيه أزمة الإنسان الذي انعدم ضميره واختلت أخلاقه، وما يحمل وزر هذا كله في الحقيقة سوى هؤلاء المهاجمين للأزهر، الذين يطالعوننا بين اليوم والآخر بذلك العجب والاعتراض العنيف على ثوابت الدين، والجرأة على العلماء والمصلحين والمخلصين لوطنهم ودينهم، وهم في الحقيقة لا يجدون ما يقولون إلا أن يطالعونا كل صباح بجمل اعتراض على بيان هيئة علماء الأزهر الشريف، فنراهم اقتطعوا هذا النص "ليس الناس الآن في حاجة إلى تغيير أحكام الطلاق، بقدر ما هم في حاجة إلى البحث عن وسائل تيسر سبل العيش الكريم.. وظاهرة شيوع الطلاق لا يقضي عليها اشتراط الإشهاد أو التوثيق، والعلاج الصحيح يكون في رعاية الشباب وحمايتهم من المخدرات بكل أنواعها».
نعم الناس الآن في حاجة شديدة إلى البحث عن وسائل تيسر سبل العيش الكريم، والشباب حقًا في حاجة للرعاية والحماية، وهذا ما يتفق مع سياسة الدولة، أم أن هؤلاء المهاجمين لبيان هيئة كبار العلماء يريدون شبابًا تائهًا ضائعًا ضارًا لوطنه مفسدًا له؛ لقد أقحم هؤلاء الكلام ما لا يحتمله، وأضافوا فيه ما ليس منه، وزادوا عليه ما أفسده وخرج به عن مقصده ليجعلوا هناك هوة بين مؤسسة الأزهر ومؤسسة الرئاسة، عن طريق تصوير أن المؤسستتين بينهما تباعدًا شديدًا وتباينًا كبيرًا، وهيهات لهم ذلك فالقائمين على الأمر في الجهتين يتمتعون بقيادة حكيمة راشدة تدرك حقيقة الأمر وتعلم تمامًا حقيقة هؤلاء الذين يحاولون طوال الوقت زعزعة وحدة الوطن، وخلخلة مؤسساته.
كما يعلم القائمين على الأمر في الأزهر والرئاسة الهدف من هذا الهجوم والغاية المرجوة من ورائه، وهو إحداث صدع متفاقم في عضد الأمة أخبت وأعتى من الصدع الذي يحدثه العدو، وتفريغها لهذا الغث يخرج مجتمعًا متهتكة علائقه، مفرغًا من أخلاقياته ثم إن أصحاب مثل هذه الهجمات يوهمون أنفسهم بأنهم يعطون للمجتمع شيئًا يذكر، والحقيقة أنهم يعطونه غذاء ليعيش أفراده موتى في صورة أحياء.
ثم ما الذي ضر هؤلاء في حماية الدستور للأزهر؟ ما الذي ضرهم في وضع الضمانات التي تكفل لقانون الأزهر الاحترام وأمانة التنفيذ، حتى لا تحرف مواده أو تمسخ مبادئه أويساء تطبيقه؛ نزولًا على رغبتهم أو انحرافًا بهم عن تحقيق أغراضه الحكيمة لهوى في النفوس.
إذًا ما الذي حمل هؤلاء على قول الباطل وشهادة الزُّور وتلفيق الكذب ونشر الفتنة وتوجيه الكلام على غير وجهة، ومحاولة الوقيعة بين مؤسسة الأزهر والرئاسة؟ أهو ما كان من ضعف القلوب وفساد الأخلاق وغفلة النفوس؟ أم هو شيء أخص من ذلك يعرفه هؤلاء ويعرفه كل صاحب عقل؟
بقى شيء آخر ينبغي أن يعرفه الجميع، وهو أن للأزهر مقومات يجب الحرص عليها، وعليه تبعات يجب أن ينهض بها وله في النفوس مكانة لن ينزل عنها، وسيمضي قدمًا غير هياب ولا وجل من هجمات مغرضة.. سيمضي في نشر صحيح الدين، وحفظ التراث الإسلامي ودراسته وتجليته ونشره، وحمل رسالة الإسلام لربوع العالمين، وفِي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحينئذ يحق له أن يفاخر بحاضره وأن يطمئن لمستقبله بفضل قيادته الحكيمة الراشدة المحبة للسلام.
القرّاء الأعزاء إن الهجوم المضلل هو سكين في خاصرة الوطن، مات ضمير أصحابه فراحوا ينتقمون من وطن بأكمله، بالتشكيك في كل مخلص والطعن في كل وطني، ربما لأنهم يريدون أن تموت جميع الضمائر حتى يبرروا لضمائرهم الميتة، لكن سيظل الأزهر ضمير الأمة الحي وقلبها النابض، وستظل علاقته بكل المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها الرئاسة عصية على الحاقدين الغرضين.