الرهان الخاسر!
اعترض عدد كبير من أعضاء مجلس النواب على التوجه نحو إجراء تعديل وزاري، وطالبوا بتغيير الحكومة لفشلها في رفع المعاناة عن المواطنين، وعدم قدرة المواطنين على تحمل تلك المعاناة، ووصل الأمر في إحدى جلسات مجلس النواب إلى مطالبة بعض النواب بسحب الثقة من الحكومة، ما دفع رئيس المجلس الدكتور علي عبد العال بالقول: «ربما تنسحب الحكومة بهدوء دون الحاجة لإجراءات سحب الثقة»، ما قد يفسر بأن الحكومة إذا لم تستجب لمطالب النواب، فلا بديل سوى سحب الثقة منها لإجبارها على الرحيل.
والمثير أن النواب الذين تحمسوا لخطوة سحب الثقة، وفي مقدمتهم رئيس المجلس، كانوا من أشد المدافعين عن برنامجها، وتصدوا للأقلية التي اعترضت على تشكيل الحكومة، وربما يفسر تغيير موقفهم بأنه رد فعل لتعامل الحكومة مع المجلس، وتجاهل الوزراء لمطالب النواب وتعمد عدم حضورهم للجان التي تناقش مشكلات وزاراتهم، وقد تجلى هذا التجاهل في غياب كامل للحكومة عن جلسة مناقشة عدد من البيانات العاجلة، وعبر أكثر من نائب خلال الجلسة عن الاستياء الشديد، معتبرين أن بياناتهم لا قيمة لها في ظل عدم وجود أي ممثل عن الحكومة للاستماع إلى المشكلات الموجودة في دوائرهم.
وربما يعود تشدد النواب في مطالبة الحكومة بالرحيل، وعدم الاقتصار على إجراء تعديل وزاري إلى الرغبة في استعادة ثقة المواطنين، التي تقلصت بسبب تأييد المجلس «عمال على بطال» لكل ما تتخذه الحكومة من قرارات، وتبرير تقاعسها الواضح عن تخفيف المعاناة عن المواطنين، خاصة أن حدة الانتقادات لممارسات المجلس تزايدت خلال الأيام الأخيرة ووصل الأمر إلى اعتراف بعض النواب من أنهم يتهربون من الالتقاء بأبناء دوائرهم، تجنبا لمواجهة غضبهم مما يعتبرونه تخلي المجلس عن دوره الرقابي على الحكومة، والإصرار على تبرير كل قراراتها الخاطئة..
وقد عبر عدد من النواب عن الاستياء من مواقف الحكومة التي تسبب لهم الحرج أمام المواطنين الذين منحوهم أصواتهم؛ من أجل الرقابة على الحكومة، وبدا المشهد كما لو كان المجلس فرعا للحكومة وليس رقيبا عليها، وربما يرى هؤلاء النواب أن سحب الثقة من الحكومة، يقلص الفجوة القائمة حاليا بين المجلس والمواطنين الذين فقدوا الثقة في قدرة النواب على إصلاح المسار المعوج، ولعب دورهم في الرقابة والتشريع، وما يزيد من اتساع الفجوة شعور المواطنين بأن النواب لا يدركون أبعاد معاناتهم سواء بسبب تدهور الخدمات التي تقدمها الحكومة أو الغلاء الذي تكتوي بناره غالبية المصريين، ولم يعد تقتصر على فئة واحدة.
وفشل وزارة الصحة في حل مشكلات العلاج والدواء وما أدت إليه السياسات القائمة من إغلاق للعديد من المصانع، وتفاقم أزمة السياحة والتي كانت تدر العملة الأجنبية للاقتصاد المصري، وصاحبها نقص تحويلات المصريين في الخارج إلى البنوك، وانهيار الجنيه المصري أمام الدولار، والبطالة التي لا تجد لها حلا.
كل تلك الأزمات تنهك الإنسان المصري ولن يحلها تغيير الحكومة، وإنما تغيير السياسات، وأن يتوقف أسلوب اختيار الوزراء من أهل الثقة، لا أصحاب الخبرات والاعتماد على التقارير الأمنية دون عنصر الكفاءة، وطالما استمرت تلك الأساليب، فإن الرهان على الحكومات القادمة، رهان خاسر!